للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً

؛ أَي سَهْلًا ليِّناً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً

؛ أَيْ كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً

؛ قَالُوا: حسَناً وَهُوَ الْجَنَّةُ. وَقَوْلُهُ: هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ

؛ أَيْ فضَّلْت. وَقَوْلُهُ: رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ

؛ أَي الْعَظِيمِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ

؛ أَيْ عَظِيمٌ مُفْضِل. والكَرْمُ: شَجَرَةُ الْعِنَبِ، وَاحِدَتُهَا كَرْمَة؛ قَالَ:

إِذَا مُتُّ فادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظامي، بَعْدَ مَوْتي، عُرُوقُها

وَقِيلَ: الكَرْمة الطَّاقَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الكَرْم، وَجَمْعُهَا كُرُوم. وَيُقَالُ: هَذِهِ الْبَلْدَةُ إِنَّمَا هِيَ كَرْمَة وَنَخْلَةٌ، يُعنَى بِذَلِكَ الْكَثْرَةَ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: هِيَ أَكثر الأَرض سَمْنة وعَسَلة، قَالَ: وَإِذَا جادَت السماءُ بالقَطْر قِيلَ: كَرَّمَت. وَفِي حَدِيثِ

أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا تُسَمُّوا العِنب الكَرْم فَإِنَّمَا الكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ

؛ قَالَ الأَزهري: وَتَفْسِيرُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعلم، أَنَّ الكَرَمَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ هُوَ مِنْ صِفَةِ مَنْ آمَنَ بِهِ وأَسلم لأَمره، وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقام مُقام الْمَوْصُوفِ فَيُقَالُ: رَجُلٌ كَرَمٌ وَرَجُلَانِ كَرَمٌ وَرِجَالٌ كَرَمٌ وامرأَة كَرَمٌ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يؤَنث لأَنه مَصْدَرٌ أُقيمَ مُقام الْمَنْعُوتِ، فَخَفَّفَتِ الْعَرَبُ الكَرْم، وَهُمْ يُرِيدُونَ كَرَم شَجَرَةِ الْعِنَبِ، لِمَا ذُلِّل مِنْ قُطوفه عِنْدَ اليَنْع وكَثُرَ مِنْ خَيْرِهِ فِي كُلِّ حَالٍ وأَنه لَا شَوْكَ فِيهِ يُؤْذي الْقَاطِفَ، فَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الِاسْمِ لأَنه يَعْتَصِرُ مِنْهُ الْمُسْكِرَ الْمَنْهِيَّ عَنْ شُرْبِهِ، وأَنه يُغَيِّرُ عَقْلَ شَارِبِهِ وَيُورِثُ شربُه العدواة والبَغْضاء وَتَبْذِيرَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَقَالَ: الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَحق بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: يُسَمَّى الكَرْمُ كَرْماً لأَن الْخَمْرَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْهُ تَحُثُّ عَلَى السَّخَاءِ والكَرَم وتأْمر بمَكارِم الأَخلاق، فَاشْتَقُّوا لَهُ اسْمًا مِنَ الكَرَم لِلْكَرَمِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وسلم، إن يُسَمَّى أَصل الْخَمْرِ بِاسْمٍ مأْخوذ مِنَ الكَرَم وَجَعَلَ المؤْمن أَوْلى بِهَذَا الِاسْمِ الحَسن؛ وأَنشد:

والخَمْرُ مُشتَقَّةُ المَعْنَى مِنَ الكَرَمِ

وَكَذَلِكَ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ رَاحًا لأَنَّ شَارِبَهَا يَرْتاح للعَطاء أَي يَخِفُّ؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَراد أَنْ يُقَرِّرَ ويسدِّد مَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ

، بِطَرِيقَةٍ أَنِيقة ومَسْلَكٍ لَطِيف، وَلَيْسَ الْغَرَضُ حَقِيقَةَ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْماً، وَلَكِنَّ الإِشارة إِلَى أَن الْمُسْلِمَ التَّقِيَّ جَدِيرٌ بأَن لَا يُشارَك فِيمَا سَمَّاهُ اللَّهُ بِهِ؛ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّمَا الكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَي إِنَّمَا الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْمِ المشتقِّ مِنَ الكَرَمِ الرَّجلُ الْمُسْلِمُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إنَّ الكَرِيمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ

لأَنه اجْتَمَعَ لَهُ شَرَف النُّبُوَّةِ والعِلم والجَمال والعِفَّة وكَرَم الأَخلاق والعَدل ورِياسة الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَهُوَ نبيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نبيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي النُّبُوَّةِ. وَيُقَالُ للكَرْم: الجَفْنةُ والحَبَلةُ والزَّرَجُون. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:

واتَّقِ كَرَائِمَ أَموالهم

أَيْ نَفائِسها الَّتِي تتعلَّق بِهَا نفْسُ مَالِكِهَا، ويَخْتَصُّها لَهَا حَيْثُ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْكَمَالِ المُمكِن فِي حَقِّهَا، وَوَاحِدَتُهَا كَرِيمة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

وغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الكَرِيمَةُ

أَيِ الْعَزِيزَةُ عَلَى صَاحِبِهَا. والكَرْمُ: القِلادة مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقِيلَ: الكَرْم نَوْعٌ مِنَ الصِّياغة الَّتِي تُصاغُ فِي المَخانِق، وَجَمْعُهُ كُرُوم؛ قَالَ:

تُباهِي بصَوْغ مِنْ كُرُوم وفضَّة

يُقَالُ: رأَيت فِي عُنُقها كَرْماً حَسَنًا مِنْ لؤلؤٍ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>