للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقَامَةُ: جَمْعُ قَائِم؛ عَنْ كُرَاعٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ تَرْتَجِلُ الْعَرَبُ لَفْظَةَ قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجُمَلِ فَيَصِيرُ كَاللَّغْوِ؛ وَمَعْنَى القِيام العَزْمُ كَقَوْلِ العماني الراجز للرشيد عند ما همَّ بأَن يَعْهَدَ إِلَى ابْنِهِ قَاسِمٍ:

قُل للإِمامِ المُقْتَدَى بأَمِّه: ... مَا قاسِمٌ دُونَ مَدَى ابنِ أُمِّه،

فَقَدْ رَضِيناهُ فَقُمْ فسَمِّه

أَيْ فاعْزِمْ ونُصَّ عَلَيْهِ؛ وَكَقَوْلِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ:

نُبِّئتُ حِصْناً وحَيّاً مِن بَني أَسَدٍ ... قامُوا فقالُوا؛ حِمانا غيرُ مَقْروبِ

أَي عَزَموا فَقَالُوا؛ وَكَقَوْلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:

عَلَامَا قامَ يَشْتُمُني لَئِيمٌ، ... كخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمادِ «٢»

. مَعْنَاهُ عَلَامَ يَعْزِمُ عَلَى شَتْمِي؛ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:

لَدَى بابِ هِنْدٍ إذْ تَجَرَّدَ قائِما

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ

؛ أَيْ لَمَّا عَزَمَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

؛ أَيْ عزَموا فَقَالُوا، قَالَ: وَقَدْ يَجِيءُ الْقِيَامُ بِمَعْنَى الْمُحَافَظَةِ والإِصلاح؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ

، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً

؛ أَيْ مُلَازِمًا مُحَافِظًا. وَيَجِيءُ الْقِيَامُ بِمَعْنَى الْوُقُوفِ وَالثَّبَاتِ. يُقَالُ لِلْمَاشِي: قِفْ لِي أَيْ تحبَّس مكانَك حَتَّى آتِيَكَ، وَكَذَلِكَ قُم لِي بِمَعْنَى قِفْ لِي، وَعَلَيْهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا

؛ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ: قَامُوا هُنَا بِمَعْنَى وقَفُوا وَثَبَتُوا فِي مَكَانِهِمْ غَيْرَ مُتَقَدِّمِينَ وَلَا متأَخرين، وَمِنْهُ التَّوَقُّف فِي الأَمر وَهُوَ الوقُوف عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ مُجاوَزة لَهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

الْمُؤْمِنُ وَقَّافٌ متَأَنّ

، وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الأَعشى:

كَانَتْ وَصاةٌ وحاجاتٌ لَهَا كَفَفُ، ... لَوْ أَنَّ صَحْبَكَ، إذْ نادَيْتَهم، وقَفُوا

أَيْ ثَبَتُوا وَلَمْ يتقدَّموا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ هُدبة يَصِفُ فَلَاةً لَا يُهتدى فِيهَا:

يَظَلُّ بِهَا الْهَادِي يُقلِّبُ طَرْفَه، ... يَعَضُّ عَلَى إبْهامِه، وَهْوَ واقِفُ

أَي ثَابِتٌ بِمَكَانِهِ لَا يتقدَّم وَلَا يتأَخر؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ مُزَاحِمٍ:

أَتَعْرِفُ بالغَرَّيْنِ دَارًا تَأبَّدَتْ، ... منَ الحَيِّ، واستَنَّتْ عَليها العَواصِفُ

وقَفْتُ بِهَا لَا قاضِياً لِي لُبانةً، ... وَلَا أَنا عنْها مُسْتَمِرٌّ فَصارِفُ

قَالَ: فَثَبَتَ بِهَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ. قَالَ: وَمِنْهُ قَامَتِ الدَّابَّةُ إِذَا وَقَفَتْ عَنِ السَّيْرِ. وقَامَ عِنْدَهُمُ الْحَقُّ أَيْ ثَبَتَ وَلَمْ يَبْرَحْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَقَامَ بِالْمَكَانِ هُوَ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ. وَيُقَالُ: قَامَ الْمَاءُ إِذَا ثَبَتَ متحيراً لا يجد مَنْفَذاً، وَإِذَا جَمد أَيْضًا؛ قَالَ: وَعَلَيْهِ فُسِّرَ بَيْتُ أَبِي الطِّيِّبِ:

وَكَذَا الكَريمُ إِذَا أَقام بِبَلدةٍ، ... سالَ النُّضارُ بِهَا وقَامَ الْمَاءُ

أَيْ ثَبَتَ مُتَحَيِّرًا جَامِدًا. وقَامَت السُّوق إِذَا نفَقت، وَنَامَتْ إِذَا كَسَدَتْ. وسُوق قَائِمَة: نافِقة. وسُوق نائِمة: كاسِدة. وقَاوَمْتُه قِوَاماً: قُمْت مَعَهُ، صحَّت الْوَاوُ فِي قِوام لِصِحَّتِهَا فِي قاوَم. والقَوْمَةُ: مَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ القِيام. قَالَ أَبو الدُّقَيْش: أُصلي الغَداة قَوْمَتَيْنِ، وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثَ قَوْمات، وَكَذَلِكَ قَالَ في الصلاة.


(٢). قوله [علاما] ثبتت ألف ما في الإِستفهام مجرورة بعلى في الأَصل، وعليها فالجزء موفور وإن كان الأَكثر حذفها حينئذ

<<  <  ج: ص:  >  >>