للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْنَ الصَّفا والكَعْبَةِ المُسَلَّم

قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ أَراد المُسْتَلَم كأَنه بَنَى فِعْلَه عَلَى فَعَّلَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: اسْتَلأَمْتُ الْحَجَرَ، وإِنما هُوَ مِنَ السِّلام، وَهِيَ الْحِجَارَةُ، وكأَن الأَصل اسْتَلمْتُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: اسْتِلامُ الْحَجَرِ افْتِعالٌ فِي التَّقْدِيرِ مأْخوذ مِنَ السِّلام، وَهِيَ الْحِجَارَةُ، تَقُولُ: اسْتَلَمْتُ الْحَجَرَ إِذا لَمَسْتَهُ مِنَ السِّلام كَمَا تَقُولُ اكْتَحَلْتُ مِنَ الكُحْلِ، قَالَ الأَزهري: وَهَذَا قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ، قال: وَالَّذِي عِنْدِي فِي اسْتِلَامِ الْحَجَرِ أَنه افْتِعالٌ مِنَ السَّلام وَهُوَ التَّحِيَّةُ، واستلامُه لَمْسُهُ بِالْيَدِ تَحَرِّياً لِقَبُولِ السَّلَامِ مِنْهُ تَبَرُّكًا بِهِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: اقْتَرَأْتُ مِنْهُ السَّلام، قَالَ: وَقَدْ أَمْلى عليَّ أَعرابي كِتَابًا إِلى بَعْضِ أَهاليه فَقَالَ في آخره: اقْتَرِىءْ مِنِّي السَّلامَ، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَن أَهل الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الرُّكْنَ الأَسوَد المُحيَّا، مَعْنَاهُ أَن النَّاسَ يُحَيُّونه بالسَّلام، فَافْهَمْهُ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَقْبَلَ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَجَرَ فاسْتَلَمَه ثُمَّ وَضع شفتَيْه عَلَيْهِ يبكي طويلًا فالتفت فإِذا هُوَ بعُمَرَ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا عُمَرُ، هَاهُنَا تُسْكَبُ العَبَراتُ.

وَرَوَى

أَبو الطُّفَيْلِ قَالَ: رأَيت رَسُولَ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَطُوفُ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ بمِحْجَنِه ويُقَبِّل المِحْجَنَ

، قَالَ اللَّيْثُ: اسْتِلامُ الْحَجَرِ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ وبالقُبْلةِ ومَسْحُه بِالْكَفِّ، قَالَ الأَزهري: وَهَذَا صَحِيحٌ. الْجَوْهَرِيُّ: اسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَمَسَهُ إِما بالقُبْلَةِ أَو بِالْيَدِ، لَا يُهْمَزُ لأَنه مأْخوذ مِنَ السِّلام، وَهُوَ الْحَجَرُ، كَمَا تَقُولُ اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ، وَبَعْضُهُمْ يَهْمِزُهُ. والسُّلامى: عظامُ الأَصابع فِي الْيَدِ والقَدَم. وسُلامَى الْبَعِيرِ: عِظَامُ فِرْسِنِه. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: السُّلامى عِظامٌ صِغارٌ عَلَى طُولِ الإِصبع أَو قَرِيبٌ مِنْهَا، في كُلِّ يَدٍ وَرِجْلٍ أَربع سُلامَياتٍ أَو ثَلَاثٌ. وَرُوِيَ

عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: عَلَى كلِّ سُلامَى مِنْ أَحدكم صدقةٌ، ويُجْزئ فِي ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا مِنَ الضُّحَى

، قَالَ ابْنُ الأَثير: السُّلامَى جَمْعُ سُلامِيَةٍ وَهِيَ الأُنْمُلَةُ مِنَ الأَصابع، وَقِيلَ: وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ، وَتُجْمَعُ عَلَى سُلامَياتٍ، وَهِيَ الَّتِي بَيْنَ كُلِّ مَفْصِلَيْنِ مِنْ أَصابع الإِنسان، وَقِيلَ: السُّلامَى كُلُّ عَظْمٍ مُجَوَّفٍ مِنْ صِغار الْعِظَامِ. وَفِي حَدِيثِ

خُزَيْمَةَ فِي ذِكْرِ السَّنَةِ: حَتَّى آلَ السُّلامَى

أَي رَجَعَ إِليه الْمُخُّ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: السُّلامى فِي الأَصل عَظْمٌ يَكُونُ فِي فِرْسِنِ الْبَعِيرِ، وَيُقَالُ: إِن آخِرَ مَا يَبْقَى فِيهِ الْمُخُّ مِنَ الْبَعِيرِ إِذَا عَجُفَ فِي السُّلامَى وَفِي الْعَيْنِ، فإِذا ذَهَبَ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَقيَّة بَعْدُ، وأَنشد لأَبي مَيْمُون النَّضْرِ بْنِ سَلَمَة العِجْليّ:

لَا يَشْتَكِينَ عَمَلًا مَا أَنْقَيْن، ... مَا دَامَ مُخٌّ فِي سُلامى أَو عَيْن

قَالَ: وكأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ

عَلَى كُلِّ سُلامى مِنْ أَحدكم صدقةٌ

أَن عَلَى كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظام ابْنِ آدَمَ صَدَقَةً، وَالرَّكْعَتَانِ تُجْزِيَانِ مِنْ تِلْكَ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: السُّلامى عِظَامُ الأَصابع والأَشاجِع والأَكارعِ، وَهِيَ كَعابِرُ كأَنها كِعابٌ، وَالْجَمْعُ سُلامَياتٌ، قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: فِي الْقَدَمِ قَصَبُها وسُلامَياتُها، وَقَالَ: عِظام الْقَدَمِ كُلُّهَا سُلامَياتٌ، وقَصَبُ عِظام الأَصابع أَيضاً سُلامَياتٌ، الْوَاحِدَةُ سُلامى، وَفِي كُلِّ فِرْسِنٍ سِتُّ سُلامَياتٍ ومَنْسِمان وأَظَلُّ. الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ لِلْجِلْدَةِ الَّتِي بَيْنَ الْعَيْنِ والأَنف سالمٌ، وَقَالَ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ فِي ابْنِهِ سَالِمٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>