أَبو الْهَيْثَمِ: أَصِرِّي أَي اعْزِمِي، كأَنه يُخاطِب نفسَه، مِنْ قَوْلِكَ: أَصَرَّ عَلَى فِعْلِهِ يُصِرُّ إِصْراراً إِذا عَزَم عَلَى أَن يَمْضِيَ فِيهِ وَلَا يرجِع. وَفِي الصِّحَاحِ: قَالَ أَبو سَمَّال الأَسَدِي وقد ضَلَّت ناقتُه: أَيْمُنُكَ لَئِنْ لم تَرُدَّها عَلَيَّ لَا عَبَدْتُك فأَصاب ناقتَه وَقَدْ تعلَّق زِمامُها بِعَوْسَجَةٍ فأَخذها وَقَالَ: عَلِمَ رَبِّي أَنَّها مِنِّي صِرَّى. وَقَدْ يُقَالُ: كَانَتْ هَذِهِ الفَعْلَة مِنِّي أَصِرِّي أَي عَزِيمة، ثُمَّ جُعِلَتِ الْيَاءُ أَلفاً، كَمَا قَالُوا: بأَبي أَنت، وبأَبا أَنت؛ وَكَذَلِكَ صِرِّي وصِرَّى عَلَى أَن يُحذف الأَلفُ مِنْ إِصِرَّى لَا عَلَى أَنها لُغَةٌ صَرَرْتُ عَلَى الشَّيْءِ وأَصْرَرْتُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الأَصل فِي قَوْلِهِمْ كَانَتْ مِنِّي صِرِّي وأَصِرِّي أَي أَمر، فَلَمَّا أَرادوا أَن يُغَيِّرُوه عَنْ مَذْهَبِ الْفِعْلِ حَوَّلُوا يَاءَهُ أَلفاً فقالوا: صِرَّى وأَصِرَّى، كَمَا قَالُوا: نُهِيَ عن قِيلَ [قِيلٍ] وقَالَ [قَالٍ]، وَقَالَ: أُخْرِجَتا مِنْ نِيَّةِ الْفِعْلِ إِلى الأَسماء. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ أَعْيَيْتَني مِنْ شُبَّ إِلى دُبَّ، وَيُخْفَضُ فَيُقَالُ: مِنْ شُبٍّ إِلى دُبٍّ؛ وَمَعْنَاهُ فَعَل ذَلِكَ مُذْ كَانَ صَغِيرًا إِلى أَنْ دَبَّ كَبِيرًا وأَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ لَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ.
أَصرَّ عَلَى الشَّيْءِ يُصِرُّ إِصْراراً إِذا لَزِمَهُ ودَاوَمه وَثَبَتَ عَلَيْهِ، وأَكثر مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشرِّ وَالذُّنُوبِ، يَعْنِي مَنْ أَتبع الذَّنْبَ الِاسْتِغْفَارَ فَلَيْسَ بِمُصِرٍّ عَلَيْهِ وإِن تكرَّر مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ويلٌ لِلْمُصِرِّين الَّذِينَ يُصِرُّون عَلَى مَا فَعَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
وَصَخْرَةٌ صَرَّاء: مَلْساء. ورجلٌ صَرُورٌ وصَرُورَة: لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْكَلَامِ، وأَصله مِنَ الصَّرِّ الحبسِ والمنعِ، وَقَدْ قَالُوا فِي هَذَا الْمَعْنَى: صَرُوريٌّ وصَارُورِيُّ، فإِذا قُلْتَ ذَلِكَ ثَنَّيت وَجَمَعْتَ وأَنَّثْت؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَوله إِلى آخِرِهِ مُثَنًّى مَجْمُوعٌ، كَانَتْ فِيهِ يَاءُ النَّسَبِ أَو لَمْ تَكُنْ، وَقِيلَ: رَجُلٌ صَارُورَة وصارُورٌ لَمْ يَحُجَّ، وَقِيلَ: لَمْ يتزوَّج، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّثُ. والصَّرُورة فِي شِعْرِ النَّابِغة: الَّذِي لَمْ يأْت النِّسَاءَ كأَنه أَصَرَّ عَلَى تركهنَّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا صَرُورَة فِي الإِسلام.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ صَرُورَة لَا يُقَالُ إِلا بِالْهَاءِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: رَجُلٌ صَرُورَة وامرأَة صَرُورَةٌ، لَيْسَتِ الْهَاءُ لتأْنيث الْمَوْصُوفِ بِمَا هِيَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَحِقَتْ لإِعْلام السَّامِعِ أَن هَذَا الْمَوْصُوفَ بِمَا هِيَ فِيهِ وقد بَلَغَ الْغَايَةَ وَالنِّهَايَةَ، فَجَعَلَ تأْنيث الصِّفَةِ أَمارَةً لِمَا أُريد مِنْ تأْنيث الْغَايَةِ وَالْمُبَالَغَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ: قَالَ رأَيت أَقواماً صَرَاراً، بِالْفَتْحِ، واحدُهم صَرَارَة، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْمٌ صَوَارِيرُ جَمْعُ صَارُورَة، قَالَ وَمَنْ قَالَ صَرُورِيُّ وصَارُورِيٌّ ثنَّى وَجَمَعَ وأَنَّث، وفسَّر أَبو عبيد قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا صَرُوْرَة فِي الإِسلام؛ بأَنه التَّبَتُّل وتَرْكَ النِّكَاحِ، فَجَعَلَهُ اسْمًا للحَدَثِ؛ يَقُولُ: لَيْسَ يَنْبَغِي لأَحد أَن يَقُولَ لَا أَتزوج، يَقُولُ: هَذَا لَيْسَ مِنْ أَخلاق الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا فِعْلُ الرُّهْبان؛ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
لَوْ أَنَّها عَرَضَتْ لأَشْمَطَ راهِبٍ، ... عَبَدَ الإِلهَ، صَرُورَةٍ مُتَعَبِّدِ
يَعْنِي الرَّاهِبَ الَّذِي قَدْ تَرَكَ النِّسَاءَ. وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَقِيلَ أَراد مَنْ قَتَل فِي الْحَرَمِ قُتِلَ، وَلَا يقبَل مِنْهُ أَن يَقُولَ: إِني صَرُورَة مَا حَجَجْت وَلَا عَرَفْتُ حُرْمة الحَرَم. قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذا أَحدث حَدَثاً ولَجَأَ إِلى الْكَعْبَةِ لَمْ يُهَجْ، فَكَانَ إِذا لِقيَه وليُّ الدَّمِ فِي الحَرَمِ قِيلَ لَهُ: هُوَ صَرُورةٌ وَلَا تَهِجْه. وحافرٌ مَصْرُورٌ ومُصْطَرٌّ: ضَيِّق مُتَقَبِّض.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute