للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَي لِتَشَكُّرِ مَا مَضَى، وأَراد مَا يَكُونُ فَوَضَعَ الْمَاضِي مَوْضِعَ الْآتِي. وَرَجُلٌ شَكورٌ: كَثِيرُ الشُّكْرِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً

. وَفِي الْحَدِيثِ:

حين رُؤيَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ جَهَدَ نَفْسَهُ بِالْعِبَادَةِ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتفعل هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأَخر؟ أَنه قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَفَلا أَكونُ عَبْداً شَكُوراً؟

وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ. والشَّكُور: مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ، مَعْنَاهُ: أَنه يَزْكُو عِنْدَهُ القليلُ مِنْ أَعمال الْعِبَادِ فَيُضَاعِفُ لَهُمُ الْجَزَاءَ، وشُكْرُه لِعِبَادِهِ: مَغْفِرَتُهُ لَهُمْ. والشَّكُورُ: مِنْ أَبنية الْمُبَالَغَةِ. وأَما الشَّكُورُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِي شُكْرِ رَبِّهِ بِطَاعَتِهِ وأَدائه مَا وَظَّفَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ

؛ نُصِبَ شُكْراً لأَنه مَفْعُولٌ لَهُ، كأَنه قَالَ: اعْمَلُوا لِلَّهِ شُكْراً، وإِن شِئْتَ كَانَ انْتِصَابُهُ عَلَى أَنه مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ. والشُّكْرُ: مِثْلُ الْحَمْدِ إِلا أَن الْحَمْدَ أَعم مِنْهُ، فإِنك تَحْمَدُ الإِنسانَ عَلَى صِفَاتِهِ الْجَمِيلَةِ وَعَلَى مَعْرُوفِهِ، وَلَا تَشْكُرُهُ إِلا عَلَى مَعْرُوفِهِ دُونَ صِفَاتِهِ. والشُّكْرُ: مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالنِّيَّةِ، فَيُثْنِي عَلَى الْمُنْعِمِ بِلِسَانِهِ وَيُذِيبُ نَفْسَهُ فِي طَاعَتِهِ وَيَعْتَقِدُ أَنه مُولِيها؛ وَهُوَ مِنْ شَكَرَتِ الإِبل تَشْكُر إِذا أَصابت مَرْعًى فَسَمِنَتْ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ الناسَ

؛ مَعْنَاهُ أَن اللَّهَ لَا يَقْبَلُ شُكْرَ الْعَبْدِ عَلَى إِحسانه إِليه، إِذا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشكُرُ إِحسانَ النَّاسِ ويَكْفُر معروفَهم لِاتِّصَالِ أَحد الأَمرين بِالْآخَرِ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن مِنَ كَانَ مِنْ طَبْعِهِ وَعَادَتِهِ كُفْرانُ نِعْمَةِ النَّاسِ وتركُ الشُّكْرِ لَهُمْ، كَانَ مِنْ عَادَتِهِ كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ وتركُ الشُّكْرِ لَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن مِنَ لَا يشكُر النَّاسَ كَانَ كَمَنْ لَا يشكُر اللَّهَ وإِن شَكَرَهُ، كَمَا تَقُولُ: لَا يُحِبُّني مَنْ لَا يُحِبُّك أَي أَن مَحَبَّتَكَ مَقْرُونَةٌ بِمَحَبَّتِي فَمَنْ أَحبني يُحِبُّكَ وَمَنْ لَمْ يُحِبَّكَ لَمْ يُحِبَّنِي؛ وَهَذِهِ الأَقوال مَبْنِيَّةٌ عَلَى رَفْعِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَصْبِهِ. والشُّكْرُ: الثناءُ عَلَى المُحْسِنِ بِمَا أَوْلاكَهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ. يُقَالُ: شَكَرْتُه وشَكَرْتُ لَهُ، وَبِاللَّامِ أَفصح. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً

؛ يُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ مَصْدَرًا مِثْلُ قَعَدَ قُعُوداً، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ جَمْعًا مِثْلُ بُرْدٍ وبُرُود وكُفْرٍ وكُفُورٍ. والشُّكْرانُ: خِلَافُ الكُفْرانِ. والشَّكُور مِنَ الدَّوَابِّ: مَا يَكْفِيهِ العَلَفُ القليلُ، وَقِيلَ: الشَّكُورُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي يَسْمَنُ عَلَى قِلَّةِ الْعَلَفِ كأَنه يَشْكُرُ وإِن كَانَ ذَلِكَ الإِحسان قَلِيلًا، وشُكْرُه ظهورُ نَمَائِهِ وظُهُورُ العَلَفِ فِيهِ؛ قَالَ الأَعشى:

وَلَا بُدَّ مِنْ غَزْوَةٍ فِي الرَّبيعِ ... حَجُونٍ، تُكِلُّ الوَقَاحَ الشَّكُورَا

والشَّكِرَةُ والمِشْكارُ مِنَ الحَلُوباتِ: الَّتِي تَغْزُرُ عَلَى قِلَّةِ الْحَظِّ مِنَ الْمَرْعَى. ونَعَتَ أَعرابيٌّ نَاقَةً فَقَالَ: إِنها مِعْشارٌ مِشْكارٌ مِغْبارٌ، فأَما الْمِشْكَارُ فَمَا ذَكَرْنَا، وأَما الْمِعْشَارُ وَالْمِغْبَارُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَشْرُوحٌ فِي بَابِهِ؛ وجَمْعُ الشَّكِرَةِ شَكارَى وشَكْرَى. التَّهْذِيبُ: والشَّكِرَةُ مِنَ الْحَلَائِبِ الَّتِي تُصِيبُ حَظًّا مِنْ بَقْل أَو مَرْعًى فَتَغْزُرُ عَلَيْهِ بَعْدَ قِلَّةِ لَبَنٍ، وإِذا نَزَلَ الْقَوْمُ مَنْزِلًا فأَصابتْ نَعَمُهم شَيْئًا مِنْ بَقْلٍ قَدْ رَبَّ قِيلَ: أَشْكَرَ القومُ، وإِنهم لَيَحْتَلِبُونَ شَكِرَةَ حَيْرَمٍ، وَقَدْ شَكِرَتِ الحَلُوبَةُ شَكَراً؛ وأَنشد:

نَضْرِبُ دِرَّاتِها، إِذا شَكِرَتْ، ... بِأَقْطِها، والرِّخافَ نَسْلَؤُها

<<  <  ج: ص:  >  >>