للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَجُلٌ مِبْعَدٌ: بَعِيدُ الأَسفار؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:

مُناقِلَةً عُرْضَ الفَيافي شِمِلَّةً، ... مَطِيَّةَ قَذَّافٍ عَلَى الهَوْلِ مِبْعَدِ

وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُخْبِرًا عَنْ قَوْمِ سَبَإٍ: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا

؛ قَالَ: قرأَه الْعَوَّامُ بَاعِدْ، ويقرأُ عَلَى الْخَبَرِ: ربُّنا باعَدَ بَيْنَ أَسفارنا، وبَعَّدَ. وبَعِّدْ جُزِمٌ؛ وقرئَ: ربَّنا بَعُدَ بَيْنُ أَسفارنا، وبَيْنَ أَسفارنا؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ باعِدْ وبَعِّدْ فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ عَلَى جِهَةِ المسأَلة وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنهم سَئِمُوا الرَّاحَةَ وَبَطَرُوا النِّعْمَةَ، كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ «١»؛ وَمَنْ قرأَ: بَعُدَ بينُ أَسفارنا؛ فَالْمَعْنَى مَا يتَّصِلُ بِسَفَرِنَا؛ وَمَنْ قرأَ بِالنَّصْبِ: بَعُدَ بينَ أَسفارنا؛ فالمعنى بَعُدَ مَا بَيْنَ أَسفارنا وبَعُدَ سَيْرُنَا بَيْنَ أَسفارنا؛ قَالَ الأَزهري: قرأَ أَبو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ: بَعِّد، بِغَيْرِ أَلف، وقرأَ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ: ربُّنا باعَدَ، بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِ، وقرأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَحَمْزَةُ: باعِدْ، بالأَلف، عَلَى الدعاءِ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا بُعْدَك يُحَذِّرُهُ شَيْئًا مِنْ خَلْفه. وبَعِدَ بَعَداً وبَعُد: هَلَكَ أَو اغْتَرَبَ، فَهُوَ بَاعَدَ. والبُعْد: الْهَلَاكُ؛ قَالَ تَعَالَى: أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ

؛ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ الْمَازِنِيُّ:

يَقولونَ لَا تَبْعُدْ، وَهُمْ يَدْفِنونَني، ... وأَينَ مكانُ البُعْدِ إِلا مكانِيا؟

وَهُوَ مِنَ البُعْدِ. وقرأَ الْكِسَائِيُّ وَالنَّاسُ: كَمَا بَعِدَت، وَكَانَ أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلمي يَقْرَؤُهَا بَعُدَت، يَجْعَلُ الْهَلَاكَ والبُعْدَ سَوَاءٌ وَهُمَا قَرِيبَانِ مِنَ السَّوَاءِ، إِلا أَن الْعَرَبَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ بَعُدَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بَعِدَ مِثْلَ سَحُقَ وسَحِقَ؛ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بَعُد فِي الْمَكَانِ وبَعِدَ فِي الْهَلَاكِ، وَقَالَ يُونُسُ: الْعَرَبُ تَقُولُ بَعِدَ الرَّجُلُ وبَعُدَ إِذا تَبَاعَدَ فِي غَيْرِ سَبٍّ؛ وَيُقَالُ فِي السَّبِّ: بَعِدَ وسَحِقَ لَا غَيْرَ. والبِعاد: الْمُبَاعَدَةُ؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: رَاوَدَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ أَعرابية فأَبت إِلا أَن يَجْعَلَ لَهَا شَيْئًا، فَجَعَلَ لَهَا دِرْهَمَيْنِ فَلَمَّا خَالَطَهَا جَعَلَتْ تَقُولُ: غَمْزاً ودِرْهماكَ لَكَ، فإِن لَمْ تَغْمِزْ فَبُعْدٌ لكَ؛ رَفَعَتِ الْبُعْدَ، يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ تَرَاهُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ الشَّدِيدَ. والبُعْدُ والبِعادُ: اللَّعْنُ، مِنْهُ أَيضاً. وأَبْعَدَه اللَّهُ: نَحَّاه عَنِ الْخَيْرِ وأَبعده. تَقُولُ: أَبعده اللَّهُ أَي لَا يُرْثَى لَهُ فِيمَا يَزِلُّ بِهِ، وَكَذَلِكَ بُعْداً لَهُ وسُحْقاً ونَصَبَ بُعْداً عَلَى الْمَصْدَرِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ اسْمًا. وَتَمِيمُ تَرْفَعُ فَتَقُولُ: بُعْدٌ لَهُ وسُحْقٌ، كَقَوْلِكَ: غلامٌ لَهُ وفرسٌ. وَفِي حَدِيثِ

شَهَادَةِ الأَعضاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: بُعْداً لكَ وسُحقاً

أَي هَلَاكًا؛ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ البُعْد ضِدَ الْقُرْبِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن رَجُلًا جَاءَ فَقَالَ إِن الأَبْعَدَ قَدْ زَنَى

، مَعْنَاهُ الْمُتَبَاعِدُ عَنِ الْخَيْرِ وَالْعِصْمَةِ. وجَلَسْتُ بَعيدَةً مِنْكَ وَبَعِيدًا مِنْكَ؛ يَعْنِي مَكَانًا بَعِيدًا؛ وَرُبَّمَا قَالُوا: هِيَ بَعِيدٌ مِنْكَ أَي مَكَانُهَا؛ وَفِي التَّنْزِيلِ: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

. وأَما بَعيدَةُ الْعَهْدِ، فَبِالْهَاءِ؛ ومَنْزل بَعَدٌ بَعِيدٌ. وتَنَحَّ غيرَ بَعِيد أَي كُنْ قَرِيبًا، وغيرَ باعدٍ أَي صاغرٍ. يُقَالُ: انْطَلِقْ يَا فلانُ غَيْرُ باعِدٍ أَي لَا ذَهَبْتَ؛ الْكِسَائِيُّ: تَنَحَّ غيرَ باعِدٍ أَي غَيْرَ صاغرٍ؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ:

فَضْلًا عَلَى الناسِ فِي الأَدْنَى وَفِي البُعُدِ

قَالَ أَبو نَصْرٍ: فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ؛ وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي: فِي الأَدنى وَفِي البُعُد، قَالَ: بَعِيدٌ وبُعُد. والبَعَد، بِالتَّحْرِيكِ: جَمْعُ باعد مثل خادم وخَدَم. وَيُقَالُ: إِنه لِغَيْرِ أَبْعَدَ إِذا ذمَّه أَي لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَا


(١). الآية

<<  <  ج: ص:  >  >>