للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتخاذه عيدا، فغيره أولى بالنهي كائنا من كان. ثم إنه قرن ذلك بقوله: "ولا تتخذوا بيوتكم قبورا"١ أي: لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء فتكون بمنْزلة القبور؛ فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم. وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: إذا سلم الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم أراد الدعاء، فليستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره.

وكذلك ذكر أصحاب مالك قالوا: يدنو من القبر فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو مستقبل القبلة، وقال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويصلي. فقصد الدعاء عند القبر كرهه السلف متأولين في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيدا"٢ كما ذكرنا ذلك عن علي بن الحسين، والحسن بن الحسن ابن عمه، وهما أفضل أهل البيت من التابعين، وأعلم بهذا الشأن من غيرهما لمجاورتهما الحجرة النبوية نسبا ومكانا.

وقد ذكرنا عن أحمد وغيره أنهم أخبروا من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أراد أن يدعو أن ينصرف فيستقبل القبلة، وكذلك أنكر ذلك غير واحد من العلماء المتقدمين كما ذكرناه عن مالك وغيره، وكذلك غير واحد من المتأخرين مثل أبي الوفاء ابن عقيل، وأبي الفرج بن الجوزي. ولا يحفظ عن صاحب، ولا عن تابع، ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شيء من القبور للدعاء عندها، ولا روى أحد في ذلك شيئا لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، ولا عن الأئمة المعروفين، والله أعلم.

[الجهل بالشرك مانع من التكفير حتى تقوم الحجة]

(فصل) المبحث الثالث فيمن مات على التوحيد، وإقامة قواعد الإسلام الخمس، وأصول الإيمان الستة، ولكنه كان يدعو وينادي ويتوسل في الدعاء


١ البخاري: الصلاة (٤٣٢) والجمعة (١١٨٧) , ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧٧٧) , والترمذي: الصلاة (٤٥١) , والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (١٥٩٨) , وأبو داود: الصلاة (١٤٤٨) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٧٧) , وأحمد (٢/ ٦).
٢ أبو داود: المناسك (٢٠٤٢) , وأحمد (٢/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>