وأوكل إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - مهمة تبليغه، وبيان معانيه المجملة، فلا جرم كانت السنة النبوية من الكتاب العزيز، بمنزلة الشرح والتفصيل، مع ما اختصت به من إثبات أحكام مبتدأة ليست منصوصة في الكتاب.
ولما ثبت بما لا يحتمل الشك، من عموم الشرع للأزمنة والبقاع والأحوال إلى يوم الدين، وكانت تصرفات الناس أفراداً وجموعاً، غير منحصرة لاختلافها وتجددها وتغيرها، جعل الله التشريع المنصوص في الكتاب والسنة، على وِزَانٍ يفي بحكم مستجدات الحياة، بحيث أجريت أحكامه مجرى التمثيل والتأصيل لما ليس بمنصوص، ليهتدي أولو العلم إلى حمل كل فرع على مثاله، ورده إلى أصله بضروب من العموم للمعاني، وهو ما اصطلح على تسميته بالقياس؛ بقسميه الخاص القائم على اعتبار علةٍ أو معهنى خاص ثبت في أصلٍ معينٍ، وطَرْدِ حكمه في فروعه؛ والقياس العامّ القائم على اعتبار معنى عام مقْصِدِي دلت عليه جملة من النصوص، واطردت فروع الشرع على رَعْيِه.
وهذه الصفة التي أسس عليها شرعنا الحنيف، صفة الشمول والإستيعاب لأفعال المكلفين واجتهاداً، أمكنت فقهاء الأمة من إيجاد فقه إسلامي شامل لمجريات الحياة وتقلبات أحوالها، وفق طرائق للبحث منضبطة، ومسالك للنظر والإستنباط مرسومة، تميز بين الرأي الشرعي الصادر عن فهم النصوص وإدراك لمعاني ما دلت عليه من الأحكام، وبين الرأي العادي المبني على مجرد التخمين، وهو الذي ورد عن السلف ذمُّ إعماله في الشرع.