وهذا الحديث رواه النَّاس عن الزُّهريّ، كما رواه ابن عيينة بسنده ولفظه، وأما معمر فاضطرب فيه في سنده ولفظه، فرواه تارة عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وقال فيه: "وإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه". وقيل عنه: "وإن كان مائعاً فاستصبحوا به". واضطرب على معمر فيه، وظن طائفة من العلماء: أن حديث معمر محفوظ، فعملوا به، وممن يثبته: محمد بن يحيى الذهلي فيما جمعه من حديث الزُّهريّ، وكذلك احتجّ به أحمد لما أفتى بالفرق بين الجامد والمائع، وكان أحمد يحتجّ أحياناً بأحاديث، ثم يتبين له أنها معلولة، كاحتجاجه بقوله: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين"، ثم تبين له بعد ذلك أنه معلول، فاستدل بغيره. وأما البُخاريّ والترمذي وغيرهما، فعلّلوا حديث معمر، وبيَّنوا غلطه، والصواب معهم. فذكر البُخاريّ هنا عن ابن عيينة أنه قال: سمعته من الزُّهريّ مراراً، لا يرويه إلَّا عن عبيد الله بن عبد الله، وليس في لفظه إلَّا قوله: "ألقوها وما حولها وكلوه". وكذلك رواه مالك وغيره، وذكر من حديث يونس: أن الزُّهريّ سئل عن الدابة تموت في السمن الجامد وغيره؟ فأفتى بأن النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح. فهذه فتيا الزُّهريّ في الجامد وغير الجامد، فكيف يكون قد روى في هذا الحديث الفرق بينهما، وهو يحتجّ على استواء حكم النوعين بالحديث، ورواه بالمعنى. =