للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الندب، أولى من القول: بأنهم اعتقدوا الوجوب في تلك الأوامر لقرائن تدل على الوجوب، وعليكم الترجيح، لأنكم المستدلون، ثم إنه معنا لأنا لو أثبتنا الوجوب في تلك الأوامر لقرائن تدل عليه لكنا أثبتنا حكمًا زائدًا على مدلول اللفظ بدليل زائد لا يتعرض له اللفظ لا بنفي ولا إثبات، ولو أثبتناه بتلك الأوامر لزم التعارض فيما ذكرنا من الأوامر المحمولة على الندب بين تلك الأوامر وبين القرائن الدالة على الندب، وإنه خلاف الأصل.

قلت: القول: بأنهم اعتقدوا الندب فيما ذكرتم من الأوامر لقرائن تدل عليه، أولى من العكس. ويدل عليه وجوه:

أحدها: أن الوجوب لو لم يكن مستفادًا من تلك الأوامر، لكان دليل وجوب أخذ الجزية من المجوس مثلاً شيئًا غير خبر عبد الرحمن رضي الله عنه، ولو كان كذلك لوجب اشتهاره، إذ العادة تحيل إخفاء مثل هذا لاسيما في هذه الصورة، إذ روى أن عمر رضي الله عنه كان شديد الاهتمام في حقهم، وكان يشاور الصحابة في أمرهم فلم يجد من أحد منهم في حقهم شيئًا، وكان يقول: ما أدرى ما أفعل بهم حتى روى لهم عبد الرحمن الخبر، فحينئذ ضرب عليهم الجزية فهذا يفيد قطعًا بأنه لم يكن له مستند سوى ذلك الخبر، فإن القول: بأنه أثبت ذلك الحكم لا عن دليل باطل قطعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>