الحرب مع ملكه: يزيل صحة ملكه؛ لأن ملكه هناك ملك مباح، ولا جائز أن يكون الملك المباح موجبا بالعقد الذي كان في دار الإسلام، فلما زال ملكه بدخوله دار الحرب لا إلى مالك: عتق.
فإن قيل: ورود الإباحة على الملك الصحيح، لا ينفي صحته، ولا يزيله، كمن أباح طعامه لغيره، لا يزول عنه ملكه بنفس الإباحة.
قيل له: لأن لمبيح الطعام حظره بعد إباحته، ولا يمكن للحربي أن يحظر ملكه وهو في دار الحرب؛ لأن الإباحة ليست من جهته فيكون الحظر إليه.
فإن قيل: فهلا بقيت ملكه عليه بالغلبة، وثبوت يده عليه بعد دخوله دار الحرب كسائر أمواله، وكعبيده الذين أدخلهم إلينا من دار الحرب، ثم ردهم إليها.
قيل له: قد بينا أن الملك المباح لا يجوز أن يكون مستحقا بالعقد الذي عقده في دار الإسلام؛ لأن العقد في دار الإسلام إنما يوجب ملكا صحيحا غير مباح، وبدخوله دار الحرب يزول ذلك الملك، وزوال الملك إلى غير مالك: يوجب العتق، وثبوت يده عليه بالغلبة بعد اللحاق بدار الحرب: لا يمنع العتق؛ لأن ثبوت اليد بالغلبة معنى يجوز أن يلحقه الفسخ، والعتق لا يلحقه الفسخ بعد وقوعه، ومتى اجتمع ما يلحقه الفسخ، مع ما لا يلحقه الفسخ: كان الذي يلحقه الفسخ أولى بالبطلان، وما لا يلحقه الفسخ أولى بالثبوت.
وقد بينا هذا المعنى في مواضع، فلذلك وجب أن يكون العتق المستحق به زوال ملكه لا إلى مالك: أولى من الملك المباح الذي يستحقه باليد والغلبة.