منطوق الحديث حتمًا على كل تقدير، وهو أنه لا ينجس، وأن ما لم يبلغ قلتين من أصغر القلال المعهود حينئذ داخل في الحكم مفهوم الحديث حتمًا، وهو أنه ينجس، فلا يتوهم في الحديث إجمال بالنظر إلى هذين المقدارين وإنما يبقى الشك في ما بينهما فيؤخذ فيه بالاحتياط ...
أما الاختلاف في تفسير القلة بمقتضى اللغة فمن تأمل كلام أهل اللغة وموارد الاستعمال وتفسير المحدثين السابقين ظهر له أن القلة هي الجرة ... )) (التنكيل ٢/ ٧٥٩ - ٧٦١).
الأمر الخامس: أنه معلول بالوقف:
قال ابن العربي في عارضته:((وحديث القلتين مداره على مطعون عليه، أو مضطرب في الرواية، أو موقوف ... واختلفت رواياته فقيل: ((قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا))، رواه يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة. وروي:((أَرْبَعُونَ قُلَّةً)). ورُوِيَ:((أَرْبَعُونَ غَرْبًا))، ووقف على عبد الله بن عمرو وعلى أبي هريرة)) (عارضة الأحوذي ١/ ٨٤).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:((حديث القلتين فيه كلام قد بسط في غير هذا الموضع؛ وبيّن أنه من كلام ابن عمر لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم)) (مجموع الفتاوى ٢١/ ٣٥).
وقد نقل ابن القيم في (تهذيب سنن أبي داود ١/ ٧٨)، وابن أبي العز الحنفي في (التنبيه على مشكلات الهداية ١/ ٣٣٤): عنه وعن الحافظ المزي أنهما رجحا وقفه (١).
(١) وقد اختلفت أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية، في الحكم على هذا الحديث، فمال مرة إلى قول من حسنه، فقال: ((وأما حديث القلتين فأكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتجُّ به، وقد أجابوا عن كلام من طعن فيه)) (الفتاوي ٢١/ ٤١)، وتوقف فيه أخرى، فقال: ((وحديث القلتين إنْ صحَّ)) (مجموع الفتاوى ٢٠/ ٥٢٠). وتارة رجحَّ وقفه كما ذكرنا، ونقل عنه ابن نجيم أنه جزَم بضعفه، وسيأتي نصُّ كلامه قريبًا.