من طريق جماعةٍ من الصحابة مشروعيةُ تلك العشرِ لهذه الأُمَّة، ولم يصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها الكلماتُ التي ابتُلِي بها إبراهيمُ، وأحسنُ ما رُوِيَ عنه ما أخرجه التِّرْمذي وحسَّنه عن ابن عباس قال:((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ))، قال:((وَكَانَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ إِبْرَاهِيمُ يَفْعَلُهُ))، ولا يخفاك أن فعل الخليلِ له لا يستلزِمُ أنه من الكلمات التي ابتُلِي بها. وإذا لم يصحَّ شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جاءنا من طريق تقوم بها الحُجَّةُ تَعْيينُ تلك الكلماتِ؛ لم يبقَ لنا إلا أن نقول: إنها ما ذكره الله سبحانه في كتابه بقوله: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ} إلى آخر الآيات، ويكونُ ذلك بيانًا للكلمات، أو السكوت، وإحالة العلم في ذلك على الله سبحانه" (فتح القدير ١/ ١٦٢)، وانظر بقية كلامه؛ فإنه مفيد.
وأما ما عزاه لابن أبي شَيْبة في مصنَّفه عن مجاهد قال: "سِتٌّ مِنْ فِطْرَةِ إِبْرَاهِيمَ .. "، فهذا مع أنه مقطوع، ففي سنده ضعفٌ؛ فقد رواه ابن أبي شَيْبة (٢٠٦١) عن شَرِيك، عن لَيْث، عن مجاهد، به. وليث هو ابن أبي سُلَيْم؛ ضعيف، وشَرِيك هو النَّخَعي؛ متكلَّم في حفظه.
وأصحُّ ما ورد في هذا المعنى ما خرَّجه عبد الرزاق في التفسير عن ابن عباس فِي قوله تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} قال: "ابْتَلَاهُ اللهُ بِالطَّهَارَةِ: خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ فِي الجَسَدِ. فِي الرَّأْسِ: ... " الحديثَ، وسنده صحيحٌ، وسيأتي تخريجُه.