الأمر الثاني: وَرَدَ في لفظِ البخاريِّ في الرواية الأولى -ضمن سياق الحوار بين أبي موسى وابن مسعود- هذه العبارة:((قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ))، هكذا جاءتْ هذه العبارة، وظاهرها أن القائلَ هو أبو موسى، والمجيبُ هو ابنُ مسعود، وجاءَ ذلك صريحًا في رواية أبي داود وغيره من طريق أبي معاوية، ولفظه:((فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ))، فجعل القول لأبي موسى، والجواب لابن مسعود، وهذا يتعارض مع هذه الرواية الأخيرة التي فيها:((فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ: فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ)).
ففي هذه الرواية أن القائلَ هو الأعمشُ، والمجيبُ شَقيقٌ، وهو ما رجَّحهُ الحافظُ ابنُ رَجبٍ وابنُ حَجرٍ.
فقال ابنُ رجبٍ -بعد ذكر الوجه الأول المتقدم-: "والثاني: أنه ذكر أن أبا موسى هو القائل لابن مسعود: إنما كرهتم هذا لهذا؟ ، فقال ابن مسعود: نعم. وقد صرّح بهذا في رواية أبي داود ... وإنما روى أصحابُ الأعمشِ، منهم: حفص بن غياث، ويعلى بن عبيد، وعبد الواحد بن زياد- أن السائلَ هو الأعمشُ، والمسئولُ هو شقيق أبو وائل"(الفتح لابن رجب ٢/ ٢٩١ - ٢٩١).
وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ:"قوله: ((قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ ))، قائلُ ذلك هو شَقيقٌ، قاله الكرمانيُّ، وليس كما قالَ، بل هو الأعمشُ، والمقولُ له شقيق كما صرّح بذلك في رواية حفص التي قبل هذه"(فتح الباري ١/ ٤٥٦).
الأمر الثالث: وهو: أنه جعل ذكر أبي موسى لقصةِ عمَّارٍ متأخِّرًا عن احتجاجه بالآية، وفي رواية حفص بن غياث جعل احتجاجه بالآية متأخرًا