القول: إن المشرك يدخل المساجد غير المسجد الحرام استدلالا بأن وفد ثقيف لما قدموا المدينة وهم مشركون نزلوا المسجد، ودخل أبو سفيان مسجد المدينة وهو إذ ذاك على دين قومه قبل أن يسلم، فالمسلم الجنب الذي ثبتت له الطهارة بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالإباحة.
وقد قال بعضُ أهلِ العلمِ ليس في قول الله جل ذكره:{ولا جنبا إلا عابري سبيل} دليلٌ على أن الجنب لا يجلس في المسجد؛ لأن المسجد ليس بمذكور في أول الآية، فيكون آخر الآية عائدًا عليه، وإنما ذكرت الصلاة، فالصلاة لا يجوز للجنب أن يقربها إلا أن يكون عابر سبيل مسافرًا لا يجد ماء، فيتيمم صعيدًا طيبًا.
وقد روينا عن علي، وابن عباس، وغير واحد من التابعين أنهم رأوا أن تأويل قوله تعالى:{ولا جنبا إلا عابري سبيل} مسافرين لا يجدون ماء".
ثم قال: "ولعلَّ مِن حُجة مَن كَرِهَ دخول الجنب المسجد حديثًا حدثناه ... " فذكر هذا الحديث، ثم قال: "أفلت عندهم مجهول، ويبطل إذا كان كذلك أن يقوم بهذا الحديث حجة" (الأوسط ٥/ ١٢٣ - ١٢٦).
قال الخطابيُّ: "وفي الحديث بيان أن الجنب لا يدخل المسجد، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:((فَإِنِّي لَا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ)) يأتي على مقامه في المسجد ومروره فيه.
وقد اختلفَ العلماءُ في ذلك؛ فقال أصحابُ الرأي: لا يدخل الجنب المسجد إلاّ بأحد الطهرين، وهو قول سفيان الثوري. فإن كان مسافرًا ومرَّ على مسجدٍ فيه عين ماء تيمَّم بالصعيد ثم دخل المسجد واستقى. وقال مالك والشافعي: ليس له أن يقعد في المسجد، وله أن يمر فيه عابر سبيل ... ،