للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم: ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات. إعلم أن الخلق في توجههم إلى ما هو قبلتهم ثلاث طوايف: إحداها العوام الذين قصروا نظرهم على العاجل من الدنيا، فمنعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ما ذئبان ضاريان في زريبة غنم بأكثر فساداً من حب المال والسرف في دين المرء المسلم، وثانيها الخواص، وهم المرجحون للآخرة العالمون بأنها خير وأبقى العاملون لها الأعمال الصالحة فنسب إليهم التقصير بقوله صلى الله عليه وسلم: الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا، وهما حرامان على أهل الله تعالى. وثالثها الأخص وهم الذين علموا أن كل شيء فوقه شيء آخر فهو من الآفلين والعاقل لا يحب الآفلين، وتحققوا أن الدنيا والآخرة من بعض مخلوقات الله تعالى وأعظم أمورهما الأجوفان: المطعم، والمنكح، وقد شاركهم في ذلك كل البهائم والدواب فليست مرتبة سنية فأعرضوا عنهما وتعرضوا لخالقهما وموجدهما ومالكهما، وكشف عليهم معنى والله خير وأبقى وتحقق عندهم حقيقة لا إله إلا الله وأن كل من توجه إلى ما سواه فهو غير خال عن شرك خفي فصار جميع الموجودات عندهم قسمين: الله، وما سواه، واتخذوا ذلك كفتي ميزان وقلبهم لسان الميزان.

فكلما رأوا قلوبهم مائلة إلى الكفة الشريفة حكموا بثقل كفة الحسنات، وكلما رأوها مايلة إلى الكفة الخسيسة حكموا بثقل كفة السيئات، وكما أن الطبقة الأولى عوام بالنسبة إلى الطبقة الثانية كذلك الطبقة الثانية عوام بالنسبة إلى الطبقة الثالثة فرجعت الطبقات الثلاث إلى طبقتين، وحينئذ أقول: قد دعاني صدر الوزراء من المرتبة العليا إلى المرتبة الدنيا وأنا أدعوه من المرتبة الدنيا إلى المرتبة العليا التي هي أعلى عليين: والطريق إلى الله تعالى من بغداد ومن طوس، ومن كل المواضع واحد ليس بعضها أقرب من بعض فأسأل الله تعالى أن يوقظه من نوم الغفلة لينظر في يومه لغده قبل أن يخرج الأمر من يده والسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>