للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كونه بمعنى لم يذق كما يقال: لم يذق لذة النوم ونحوه، وسواكم بضمير الجمع للتعظيم للمحبوبة كما قاله الطيبي رحمه الله ومنه يعلم رذ ما قاله الرضي من أنه إنما يكون في ضمير المتكلم، وقوله: وإنما علم الخ أي علم أن من شرب عصاه ومن لم يشرب يطيعه، وما قيل: إنه يحتمل أنه بالفراسة والإلهام بعيد. قوله: (استثناء من قوله: فمن شرب الخ (فالجملة الثانية في حكم المتأخرة إذ التقدير فمن شرب منه فليس مني إلا من اغترف غرفة بيده ومن لم يطعمه فهو مني كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى} [سورة البقرة، الآية: ٦٢] إلى قوله: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [سررة البقرة، الآية: ٦٢] والتقدير إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى فلا خوف عليهم والصابئون كذلك فقدم الصابئون للعناية تنبيها على أنّ الصابئين يتاب عليهم أيضا وإن كان كفرهم أغلظ كما هنا إذ المطلوب أن لا يذاق من الماء رأسا والاغتراف بالغرفة رخصة فقذم من لم يطعمه لأنه عزيمة اعتناء به وتكميلا للتقسيم، ولملاحظة هذه النكتة وكونه في نية التأخير اغتفر فصله بين المستثني والمستثنى منه مع أنه كما في الكشف جار مجرى الاعتراض! في إفادة ما سيق له الكلام، وقوله: والمعنى الرخصة الخ إشارة إلى وجه جعله مستثنى منه لا مما قبله لأنه لو استثنى منه أفاد المفع، أو معناه من اغترف غرفة فليس مني ولذا قال: فشربوا ولم يقل فطعموه ومن ذهب إليه كأبي البقاء تعسف له تعسفات لا حاجة إليها، والغرفة بالفتح المرة وبالضم ملء الكف وبهما قرئ. قوله: (أي فكرعوا فيه الخ) هذا التفسير مروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما وفسر به ليؤذن بأنهم بالغوا في مخالفة المأمور حيث لم يغترفوا إذ الكرع الشرب بالفم من غير إناء وأصله في الحيوان أن يدخل الماء حتى يصل إلى أكارعه ثم توسعوا فيه وليس تفسير الزمخشريّ به إلا لهذا ولأنه الحقيقة اللغوية ولا داعي للصرف عنها لا أنه مبنيّ على قول أبي حنيفة فيمن حلف لا يشرب من هذا النهر فإنه لا يحنث إلا إذا كرع خلافا لهما ثم الظاهر أن الاستثناء متصل وقيل: إنه منقطع على التقدير أمّا إذا كان ممن لم يطعمه فلاته ذائق ومن لم يطعمه غير ذائق إن كان ممن شرب فمت شرب كارع والمغترف غيره لكن معناه أنه ليس مني فلا يكون الاغتراف رخصة وعلى الثاني المغترف مني فهو رخصة وهو الصحيح وفيه نظر، وأمّا على ما في الكشف فمنقطع إن فسر الشرب بالكرع والا فمتصل وقوله: الأصل أي حقيقته لغة، والمراد بالوسط آلة الشرب كالإناء واليد. قوله:) وتعميم الآوّل الخ) يعني أنّ الشرب هنا فسر بالكرع لأنه الحقيقة ولا داعي للعدول عنها وإنما لم يفسر به سابقاً ليكون الاستثناء في قوله إلا من اغترف متصلاً

لأنه الأصل في الاستثناء، وقوله: أو أفرطوا في الشرب إلا قليلا منهم إشارة إلى توجيه الاستثناء على وجه يكون المغترف داخلاً في القليل على تقدير جعل الثاني كالأوّل مصروفاً عن الحقيقة ومحمولاً على شرب الماء المطلق بالكرع أو بالاغتراف والتوجيه بحمل الشرب على الإفراط ولا مزية له على التوجيه الأوّل لأنه أيضاً خالف الأوّل في حمله على الإفراط مع أنّ الأوّل محمول على أصل الشرب ليتصل الاستثناء. قوله: (وترئ بالرفع حملاَ على المعنى الخ) في الكشاف وقرأ أبيّ والأعمش إلا قليل بالرفع وهذا من ميلهم مع المعنى والإعراض! عن اللفظ جانبا وهو باب جليل من علم العربية فلما كان معنى فشربوا منه في معنى فلم يطيعوه حمل عليه كأنه قيل: فلم يطيعوه إلا قليل منهم ونحو. قول الفرزدق:

وعض زمان يا ابن مرو إن لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف

كأنه قال: لم يبق من المال إلا مسحت أو مجلف قال النحرير رحمه الله يعني أنّ الواجب النصب لكونه استثناء من كلام موجب ذكر المستثنى منه كما في قول الفرزدق:

إليك أمير المؤمنين رمت بنا شعوب النوى والهوجل المتعسف

وعض زمان البيت حيث رفع مسحت مع كونه استثناء مفرغا في موقع المفعول به ميلاً

إلى أنه من جهة المعنى في موقع الفاعل لأنّ معنى لم يدع لم يترك كمعنى لم يبق إذ ليس ههنا فعل من الزمان وإنما الإسناد إليه مجاز والحقيقة أنه لم يبق فيه من المال إلا مسحت أي مستأصل من الإسحات وهي لغة نجد

<<  <  ج: ص:  >  >>