وفاعله ضمير يرجع إلى الله أو مبني للمفعول والمعنى واحد أي ادّعاء ذلك بالرأي والتشهي كما قرّرناه لك، وتحريم المجتهد وتحليله لشى من هذا القبيل لأنه لأخذه من النمى، واستناده إليه قائم مقامه فكأنه هو، وهذا جواب عن قوله ومّ المشركين إلخ ولم يتعرّض لجواب الأوّل لشهرته في علم الكلام لأنّ استحالة التمكين من الحرام ممنوعة لأن قبح الحرام باعتبار إضافته إلى من اتصف به لا إلى من أوجده. وقوله:(واختصاص إلخ) القرينة هي إسناده إليه تعالى ومدحهم بالإنفاق منه ووصفهم بالتقوى، وهذا ليس محل النزاع بيننا وبينهم مع أنّ في من التبعيضية المشيرة إلى أنّ الحلال بعض الرزق لا كله ما يومىء إلى عمومه وهذا ردّ لما استدلوا به معقب بدليل المخالف لهم. قوله:(وتمسكوا إلخ) تمسك بكذا بمعنى أخذ به وتعلق تجوّز به عن الاستدلال وفيه إشارة لقوّته ووجهه أنه سمى ما حرّم رزقا أو بيته به، وان قيل عليه أنه لا يدلّ على أنه رزق لمن حرّم عليه فليكن رزقا لمن أحل له، ولذا استدل به بعض المعتزلة إلا أنه يكفي لنا دلالة ظاهرة فهو عليهم لا لهم وعمرو بن قرّة بضم القاف وتشديد الراء المفتوحة لأنّ بعدها هاء تأنيث.
قال ابن حجر في الإصابة: أنه ذكره غير واحد في الصحابة، وأسندوا له هذا الحديث
ولم يزد على ذلك فيه، ثم ذكر هذا الحديث وهو في سنن ابن ماجه عن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ جاء عمرو بن قرّة فقال يا رسول الله إنّ الله كتب عليّ الشقوة فلا آراني أوزق إلا من دفي بكفي، فأذن لي في الغناء من غير فاحشة، فقال عليه الصلاة والسلام:" لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة كذبت يا عدوّ الله لقد رزقك) إلخ. مأ. ذكره المصنف رحمه الله وقوله يا عدوّ الله يشعر بأنه كافر أو منافق، وهو مخالف لما مرّ إلا أن يقال أنه لزجره، وفيه دليل على حرمة التكسب بالغناء. قوله:(لم يكن المتنذي به إلخ) متفعل من الغذاء بالذال المعجمة لا بالمهملة لاختصاصه بطعام أوّل النهار فلا (يناسب ما هنا وهذا هو الدليل العقلي لأهل السنة أتى به بعد الدليل النقلي أي لو لم يكن الحرام رزقا كان المتغذي به طول عمره غير مرزوق، والنص على أنّ كل دابة مرزوقة يبطله وقد أجيب عن هذا من طرفهم تارة بالنقض بمن مات ولم يرزق حراما ولا حلالاً، فما كان جوابكم فهو جوابنا وأخرى بأنّ معنى الآية ما من دابة متصفة بالمرزوقية، كما قالوا في قولهم كل دابة تذبح
بالسكين أي كل دابة تتصف بالمذبوحية، فيخرج السمك وقد قيل إنّ هذا يتوقف على وجود من لم يتغذ طول عمره بحلال مّا، وأن لا يكون له في الأرض مناط، وهو لا يكاد يوجد على أنّ الآية إنما تدل على أنه يسوق الرزق إلى كل دابة ويمكنها منه لا أنها تتغذى بما سيق لها بالفعل.
(وقد سنح لي هنا نكتة) وهي أنّ الدابة، وإن عمت إلا أنّ المتبادر منها الحيوانات غير الناطقة، ففيها توبيخ لمن يهتم بتدبير المعيشة، فكأنه قيل له ما لك تتعب فيما يتيسر للحيوان بلا تعب. قوله:(وأنفق الشيء وأنفذه إلخ) أنفذه بالدال المهملة، والمراد بالاخوّة توافقهما في الاشتقاق، وهو هنا الاشتقاق الأكبر، وهو الاشتراك في أصل المعنى، وأكثر الحروف مع التناسب في الباقي مخرجا، ولذا اقتصر على الفاء والعين كنفي ونفع وأمثالهما والذهاب يكون بمعنى المضيّ والضياع. وقوله:(والظاهر إلخ) يعني به أنّ الظاهر منه حمل الإنفاق على ما يشمل أنواعه فرضاً ونفلاَ، ومن حمله على الزكاة كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا من فسره بالنفقة على الأهل فيحتمل أنه لم يرد التخصيص، وإنما اقتصر على كمل أفرادها وأمّا أن يريده بقرينة الصلاة المقرونة بالزكاة في كثير من الآيات والشيء بالشيء يذكر والقرينة أمر ظنيّ لا قعلعيّ حتى يقال: مع القرينة المذكورة كيف يحمل على العموم. وقوله:(في سبيل الخير) وقع في نسخة بدله سبيل الله وهما متقاربان، وفي شرح سير محمد الكبير للسرخسي سبيلاَ لله جهة القربة والطاعة، فلو أوص بثلث ماله في سبيل الله صرف في طاعة وقربة لأنّ كل طاعة سبيل ألله كما في الحديث: " من شاب شيبة في سببل الله كانت له نورا يوم القيامة " (١) أي في الطاعة لرواية في الإسلام، وهو إن أطلق يتبادر منه الغزو والجهاد وكون الزكاة أفضل أنواع الإنفاق لأنها فرض، فتكون كثر ثواباً ولذا عدّت من أصول الدين، وشقيقتها أختها والمراد بها الصلاة لاقترانها بها وكونها بمنزلتها في العبادات البدنية لاستتباعها لغيرها، وقولهم باب الصلاة باب الزكاة، وفلان يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة لا يستشهد به هنا لتفرّعه عما ورد في التنزيل فتأمّل. قوله:(وتقديم المفعول الخ) في الكشاف أنه دلالة على
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله:(لما عدّد فرق المكلفين الخ) أي المؤمنين والكفار والمنافقين السابق ذكرهم من أوّل السورة إلى هنا، وخواصهم ما اختص به كل فريق منهم من الاهتداء بالقرآن، وإنفاق الحلال والإيمان بالغيب والفلاح والفوز في الدنيا، والعقبى في المؤمنين، واصرار غيرهم على الكفر وتغشية قلوبهم، وسوء عقباهم في الكفرة وإخفاء الكفر والخداع، وضررهم العائد عليهم في المنافقين. وقوله: ومصارف أمورهم المصارف جمع مصرف من صرف المال إذا أنفقه أو من صرف الدينار بالدراهم إذا أبدله استعير هنا لما هم عليه في أعمالهم وأعمارهم أو لما يؤول إليه أمرهم من الفوز بالسعادة أو الخسران وهو ظاهر، وهذا معنى قوله في الكشاف عذد الله فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم ومصارف أمورهم وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها ويحظيها عند الله تعالى ويرديها ولقد أجاد في حسن تلخيصه، ويحتمل أنه طوى البيان بقوله مما يسعدها الخ، لما يرد عليه من أنه لم يذكر للمؤمنين مشقيات ومرديات ولا للكافرين مسعدات ومحظيات وإن أجيب عنه بأن المذكور صريحا للمؤمنين المسعدات ولغيرهم المرديات ويفهم من ذلك ما يقابله ضمنا فيكون الكل مذكورا للحل فإنه ردّ بأنّ الاختصاص حينئذ لا معنى له فإن المقابل لما اختص بكل فرقة ليس مخصوصا بها لوجوده في المقابل الآخر وان كان غير وارد لأن مسلكه أسلم من التكلف على أنا نقول إنه لا وجه للردّ لأن مقابل كل خاصة لم يلحظ فيه اتصاف الآخر به هنا إذ مقابل الاهتداء بنور الفرقان شامل لعدم الوقوف عليه كمن لم تبلغه الدعوة وإنفاقه الخير في الخير يقابله عدمه الشامل لمن لم ينفق أصلا ولم يقصد ذمّ مقابلتهم بذلك وكذا الصلاة وغيرها من العبادات ومسعدات الأشقياء المفهومة مما أشقاهم الله به لا يمدح به المؤمنون كما قيل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا ~ قيل إن السيف أمضى من العصى
(فلا) وجه لما قيل من أن الردّ مردود لظهور اختصاص ذلك المقابل بتلك الفرقة بملاحظة انفهامه ضمنا وكونه مفروضا غير محقق مثلاً إذا قلت الصفات المذكورة للمؤمنين مسعدات يفهم منه أنهم لو كانوا