بالنسبة فلو حذف لفظاً أيضا لم يبق له اعتبار اً صلاً، والعجب من النحرير إنه جوّز ذلك هنا وقد أشار في المطول إلى ما حققناه في حواشيه وهو تحيل لا وجه له وقد مرّ ما فيه، وقيل إن جعلت إن مصدرية فلا إمّا زائدة أو ناهية أو نافية وكلها باطلة لعطف الأوامر فلو كانت زائدة لكان المأمور به محرّما لأن التقدير حينئذ حرّم أن تشركوا وأن تحسنوا وعلى النهي يجتمع ناصب وجازم على فعل واحد وهو غير جائز وعلى النفي يلزم عطف الطلب على الخبر إلا أن يقال الخبر متضمن للطلب إذ هو في معنى النهي، ورد بأن المعاني الواجبة تجعل محرّمة باعتبار أضدادها كما مرّ وأما جعل لا ناهية وان جوّز اجتماع الناصب والجازم فلا سبيل إليه كما مرّ، وتضمن الخبر معنى الطلب تكلف، وقيل الإنشاء هنا مؤوّل بمفرد فيجوز أن يعطف على الخبر المؤوّل به، وقيل إنه على هذا الأوامر معطوفة على تعالوا لا على لا تشركوا حتى يلزم ما ذكر وعلى تقدير اللام فالجواب عن عطف الأوامر ما مرّ، وقوله:(أو المحرّم أن تشركوا) إشارة إلى زيادة لا في هذا الوجه وقوله يحتمل المصدر فيكون معناه إشراكا ما وعلى المفعولية شريكا ما. قوله:(وضعه موضع النهي الخ) جعله كناية عن ذلك لتتناسب المعطوفات، ولأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ولأنّ الإحسان إذا لم تترك معه الإساءة لا يعتد به كما قال أبو الطيب:
إذا الجود لم يرزق خلاصاً من الأذى ~ فلا الحمد مكسوباً ولا المال باقيا
وإن قال في مقام آخر:
أنا لفي زمن ترك القبيح به من أكثر الناس إحسان واجمال
قوله:(ومن خشيتة الخ) إشارة إلى أنّ الآية شاملة لقتل الأولاد للفقر الحاصل بالفعل أو لخشية الفقر في المستقبل، والقرآن يفسر بعضه بعضا، وقيل: إن الخطاب في كل آية لصنف منهم، وليس خطابا واحدا فالمخاطب بقوله:{مِّنْ إمْلاَقٍ} من ابتلى بالفقر وبقوله: (خثية إملاق) من لا فقر له ولكنه يخشى الفقر ولهذا قدم رزقهم هنا فقيل: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقدّم رزق أولادهم في مقام الخشية فقيل: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} وهو كلام حسن. قوله:(أو الزنا) فجمع الفواحش للمبالغة أو باعتبار تعدد من يصدر منه ورجح بعضهم هذا التفسير، وقوله كالقود مما أجازه الشرع كدفع الصائل وغيره. قوله:) فإنّ كمال العقل هو الرشدا لما كان أصل العقل ثابتا لهم أوّله بما ذكر وهو ظاهر، وقال: هنا تعقلون وفيما بعده تذكرون مع التفنن بالتعبير بالأمر والنهي لأنّ المنهيات كالشرك وقتل الأولاد وقربان الزنا وقتل النفس كانت العرب لا تستنكف منها، وأما إحسان الوالدين وايفاء الكيل وصدق القول والوفاء بالعهد فكانوا يفعلونه فلذا أمروا بالثبات عليه وتذكره فتدبره. قوله:(حتى يصير بالغاً الخ) يعني المراد به هنا البلوغ لا أن يبلغ ثلاثة وثلاثين أو أربعين فإنه وان كان معنى له لكنه ليس بمراد هنا بل في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ}[سورة الأحقاف، الآية: ١٥] سنة، وهو من الشدة أي القوّة أو الارتفاع من شذ النهار إذا ارتفع، واختلف فيه على خمسة أقوال فقيل هو جمع لا واحد له، وهو قول الفراء وقيل: هو مفرد وأفعل ورد مفرداً نادراً كآنك، وقيل هو جمع شدة كنعمة وأنعم وقدّر فيه زيادة الهاء لكثرة جمع فعل على أفعل كقدح وأقدح، وقال ابن الأنباري: إنه جمع شد بضم الشين كود، وأودّ وقيل جمع شد بفتحها وهو هنا غاية من حيث المعنى لا من حيث التركيب اللفظي، ومعناه احفظوا على اليتيم ماله إلى بلوغ أشذه فادفعوه إليه قاله أبو حيان رحمه الله: وآنك بالمذ وضمم النون إلا سرب ولم يأت في المفردات على هذا الوزن
غيرهما كما في القاموس وتوله:(ما يسعها) إشارة إلى أنّ فعلا بمعنى فاعل، وقوله وذكره لما كان فيه حرج مع كثرة وقوعه رخص فيما خرج عن طاقتهم ويحتمل رجوعه إلى ما تقدم أي جميع ما كلفناكم ممكن ونحن لا نكلف ما لا يطاق، وقوله:(يعني ما عهد الخ) يحتمل أيضاً أنّ المراد ما عاهدتم الله عليه من إيمانكم ونذركم، وتخفيف تذكرون بحذف إحدى التاءين. قوله:(الإشارة فيه الخ (أي باعتبار أكثره وقيل المشار إليه من قوله: (تعالوا إلى هنا) وقيل المشار إليه شرعه صلى الله عليه وسلم ويلائمه قوله ولا تتبعوا السبل، وإذا كان تعليلا مقدما فيه جمع حرفي عطف وقد مرّ توجيهه. قوله:) فتفرقكم الخ (إشارة إلى أن الباء للتعدية وأصل تتفزق وهو منصوب