أن التحريم والتحليل بالوحي لا بالتشهي والهوى. قوله:(والمراد الخ) اقتصر في الكشاف على الأثر الثاني، لأنّ عمرو بن لحيئ هو الذي بحر البحائر، وسيب السوائب فهو الذي تعمد الكذب، وأما من تابعه من كبرائهم فيحتمل إنه أخطا في تقليده فلا يكون متعمدا للكذب فلا ينبغي التفسير به، ولذا قال في تفسيره بعض المتأخرين افترى كذباً، كاذبا لا مخطئا في ظنه فإنّ فيه مندوحة عن الكذب فليس فيهن خطأ ومخالفة للجمهور في الكذب ولا مخالفة لما قاله الزمخشرقي: إلا في جعله كذبا حالاً بمعنى كاذباً، وان جوّز فيه أن يكون مصدرأ من غير لفظ الفعل، فمن قالط إنه أخطأ في الإعراب وغفل عن قيد التعمد في معنى الافتراء لم يفهم كلامه. قوله:(ليضل الناس بغير علم (أي عمل عمل القاصد إضلالهم من أجل دعائهم إلى ما فيه الضلال وإن لم يقصد الإضلال ولذلك قال بغير علم كذا قيل يعني إنّ اللام للعاقبة، ويؤيده قوله بغير علم إن كان حالاً من فاعل يضل ولا يضره احتمال كونه حالاً من الناس وان صح، لأنّ الأوّل أظهر وأبلغ في الذتم لكون المقتدى به جاهلاً فكيف المقتدي، ومن غفل عنه خطأه فيه. قوله: (لا يهدي القوم الظالمين) أي إلى طريق الحق وقيل إلى دار الثواب لاستحقاقهم العقاب، ولا يعد فيه كما توهم وإذا لم يهتد الظالم فالأظلم أولى بعدم الهداية. قوله:(قل لا أجد فيما أوحى إلئ محرّماً الخ) كني بعدم الوجدان عن عدم الوجود ومبني هذه الكناية على أنّ طريق التحريم التنصيص منه تعالى وتفسيره بمطلق الوحي أستظهروه ولذا قال: أوحى ولم يقل انزل، وقوله:(وفيه تنبيه الخ (قد مرّ ما يشير إليه وأيضا أن الآية لو لم تدل على الحصر، وقد وردت للردّ على المشركين في تحريم ما لم. يحرّمه الله يعني لم يوح إليّ تحريم ما حرّمتموه وإنما الموحي تحريم ما ذكر، ولو لم يكن ذلك مقصودا لم تفذ ما ذكر، وقوله لا بالهوى إشارة إلى أنّ القصر إضافيّ فلا ينافي الاجتهاد، وفسر المحرّم بالطعام لدلالة ما بعده عليه.
قوله: (١ لا أن يكون ميتة الخ) فسر الزمخشري محرّماً بطعاماً محرّما من المطاعم التي حرّمتموها، وإنما قيده بذلك لدفع توهم ما يرد من أنّ في النظم حصر المحرّمات فيما ذكر، ولا شك أنّ لنا محرّمات غيرها فلذا جعل الاستثناء منقطعاً أي لا أجد ما حرّمتموه لكن أجد الأربعة محرّمة، وهذا لا دلالة فيه على الحصر إذ الاستثناء المنقطع ليس كالمتصل في الحصر وهذا مما ينبغي التنبيه له والمصنف لم يقيده بما ذكر لأنّ الأصل الاتصال وعدم التقييد، وأشار إلى دفع ذلك بقوله فيما سيأتي والآية محكمة الخ قيل وحينئذ يكون الاستثناء من أعتم الأوقات أو أعنم الأحوال مفرّغاً بمعنى لا أجد شيئاً من المطاعم المحرّمات في وقت من الأوقات أو حال من الأحوال إلا في وقت أو حال كون الطعام أحد الأربعة فاني أجد حينئذ محرّما، فالمصدر للزمان أو الهيئة وفيه أنه لا يناسب قول المصنف رحمه الله إلا وجود الخ فانه ناطق بخلافه إلا بتكلف، مع أن المصدر المؤوّل من أن، والفعل لا ينصب على الظرفية عند الجمهور، ولا يقع حالاً لأنه مجرفة. قوله:(لى عطف على أن الخ (أي على قراءة الرفع كما يدلّ عليه قوله إلا وجود ميتة فإنه على قراءة النصب يكون التقدير على وجوده ميتة، وعطفه حيمئذ على ميتة أقرب لفظاً ومعنى، وإنما بين هذه القراءة رذاً على أبي البقاء حيث قال وقرئ برفع ميتة على أن تكون تاقة، وهو ضعيف لأن المعطوف منصوب فلا حاجة إلى ما قيل إنه جعله كذلك لاطراده على القراءتين. قوله: (أي إلا وجود ميتة) الظاهر أنه من إضافة الصفة إلى الموصوف أي ميتة موجودة فإن يكون في النظم بمعنى اسم الفاعل كذا أفاده خاتمة المدققين فلا يريد ما قال النحرير: إنّ في جعل الاستثناء متصلا تكلفاً في اللفظ أي إلا الموصوف بأن يكون أحد الأربعة على أنه بدل من محرّما والجواب عن صحة الحصر أنه قد ورد حصر المحزمات في الأربعة لقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} الخ فناسب أن تحمل هذه الآية على ذلك، ويدفع الأشكال بأنّ المعنى لا أجد عند تبليغ هذه الآية سواها، أو هي مخصصة بالخبر وليس نسخاً اهـ وفيه نظر، والمراد بالميتة ما لم يذبح ذبحا شرعيا فيتناول المنخنقة ونحوها. قوله: (لا كالكبد والطحال (إشارة إلى أنهما دمان متجمدان كما ذكره الأطباء، وجاء في الحديث:" أحلث لنا ميتنان السمك والجراد، ودمان الكبد والطحال ") ١ (وما