خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأعدائهم أوّله بذلك لأن عداوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصية فلا تكون بخلق الله وجعله عنده، ولما كان خلاف الظاهر جعله المصنف رحمه الله دليلاً على خلافه وهو الظاهر. قوله:(ولكل متعلق به (أي بعدوا أو جعل حالاً من عدؤاً تدم لنكارته أو مفعول ثان على البدلية على ما تقدم في إعراب {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ}[سورة الأنعام، الآية: ٠٠ ا] فتذكره ويصح جعله متعذيا لواحد وعلى كونه متعلقأ بعدوا يكون ثقديمه للاهتمام، ويجوز نصب شياطين بفعل مقدر وقوله يوسوس الخ تفسير للوحي هنا لأنه الشيء الخفي والوسوسة كذلك وقوله من زخرفه أي مأخوذ منه وأصل معنى الزخرف الذهب، ولما كان حسناً في الأعين قيل لكل زينة زخرفة، وتد يخص بالباطل فيقال شيء مزخرف ونحوه مموّه لأنه من الماء وهو الذهب المذاب وأصله موه، وقوله مفعول له أو مصدر في موقع الحال بتأويل غارين، وفسره الزمخشري بقو! هـ خدعا وأخذاً على غرّة أي غفلة، وقال الراغب: غرّه غروراً كأنما طواه على غرّة بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء وهو طية الأوّل.
قوله: (ولو شاء ربك إيمانهم الخ) قدره بعضهم ولو شاء ربك أن لا يفعلوا معاداة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وايحاء الزخارف على أنّ الضمير لما ذكر بناء على المشهور ومن تقدير مفعول المشيئة ما دلّ عليه جواب لو بعده ولذا قيل في تفسيره ولو شاء ربك عدم الأمور المذكورة لا إيمانهم كما قيل فإنّ القاعدة المستمرّة إنّ مفعول المشيئة عند وقوعها شرطا يكون مضمون الجزاء، وهو ما فعلوه كما تقرّر في كتب المعاني.
(قلت) هنا ذكر فعل المشيئة سابقا فالظاهر أنه يجوز مراعاة كل منهما بحسب ما يقتضيه الحال، وهنا كذلك لأنّ المشيئة تعلقت بالإيمان في قوله: قبيله إلا أن يشاء الله والمذكور في المعاني ما لم يتكرّر فيه فعل المشيئة ولم يكن قرينة غير الجواب فاعرفه، فإنه بديع، وقيل إن جعل العدم متعلق المشيئة لا يخلو عن تكلف، فلذا جعل المفعول هنا لازمه بناء على أنه يكفي في العدمي عدم المشيئة دون مثيئة العدم كما مرّ فتأمّل، وقوله ما فعلوا ذلك يريد أنّ الضمير راجع إلى جميع ما تقدم بتأويله كما مرّوا إنما لم يرجعه إلى كل واحد على البدل لاحتياجه إلى تأويل فيما هو مؤنث كالعداوة، ثم إنه قال هنا ولو شاء ربك ما فعلوه، وفيما بعده ولو شاء الله ما فعلوه، فغاير بين الاسمين في المحلين فذكر النكتة فيه بعضهم بأنّ ما قبله من عداوتهم له كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي لو شاء منعهم عنها فلا يصلون إلى المضرة يقتضي ذكره بهذا العنوان إشارة إلى أنه مربيك في كنف حمايته، وإنما لم يفعل ذلك لأمر اقتضته حكمته وأمّا في الآية الأخرى فذكر قبله إشراكهم فناسب ذكره بعنوان الألوهية التي تقتضي الإشراك. قوله:(وهو أيضاً دليل على المعتزلة الخ) قيل أي دليل عليهم في شيئين كقوله: {مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ}[سورة الأنعام، الآية: ١١١] ومن قدر مفعول المشيئة عدم فعل المعاداة والإيحاء، ثم قال في الآية دلالة على أن الشرور صدورها عنه بمشيئته فقد سها حيث غفل عن أنّ عدم تعلق المشيئة بعدم فعل لا يستلزم تعلقها بذلك الفعل، وفيه أنه في مثيئة العبد ظاهر، وأما في مشيئة الله على رأي أهل السنة القائلين بأنه لا يكون إلا ما يريد، فإذا عدم تعلقها بعدم شيء لزم التعلق بوجوده إذ لا واسطة بينهما فليتأمّل، وكفرهم تفسير لافترائهم وجعل ما مصدرية، ويصح أن تكون موصولة والواو بمعنى مع أو عاطفة، وذرهم أمر له بعدم المبالاة أو هو قبل النسخ كما مرّ. قوله:(وليكون ذلك جعلنا الخ) فحذف المعلل وأقيمت علته مقامه، وإنما قدره مؤخرا للاهتمام بالعلة لا للحصر. قوله:(والمعتزلة لما اضطروا الخ) يعني أن القبائح عندهم لا ينسب إليه تعالى خلقها، فلا تعلل بها أفعاله فلذلك
أوّلوها بما ذكر، والا فيجوز أن تكون حكماً ومقاصد له تعالى، وقيل: اللام للتعليل أو للعاقبة على الاختلاف في كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض، وردّ بأنه لا يخفى أنّ اللامات الداخلة على ثمرات أفعاله سبحانه عند من لم يجعل أفعاله تعالى معللة بالأغراض استعارة تبعية تشبيها للغاية بالعلة الغائية، وليس شيء منها للعاقبة كما مرّ فجعل الاختلاف في كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض أم لا مداراً للاختلاف