للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما تعارض فيه الوصل والإرسال ورُجح الإرسال لكثرة العدد ونكارة المتن ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله: أنّ رسول الله بعثَ سرية إلى خثعم (١)، واعتصم ناسٌ بالسجودِ فأسرعَ فيهم القتل، فبلغَ ذلكَ النَّبيَّ فأمر لهم بنصفِ العقلِ وقال: «أنا بريءٌ منْ كل مسلمٍ يقيمُ بينَ أظهرِ المشركينَ» قالوا: يا رسول الله ولِمَ؟ قال: «لا تراءَى ناراهما» (٢).


(١) في مسند الشافعي: «جعشم» وانظر تعليقي هناك.
(٢) قال ابن الملقن في " البدر المنير " ٩/ ١٦٤: ««قوله: لا تراءى ناراهما» أي يكون كل واحد منهما بحيث يرى نار صاحبه، فجعل الرؤية للنار ولا رؤية لها، يعني: أنْ يعرفوا هذه من هذه، يقال: داري تنظر إلى دار فلان أي تقابلها، وقيل: معناه أراد نار الحرب، تقول: ناراهما تختلف، هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف تتفقان، وكيف يساكنهم في بلادهم وهذه حال هؤلاء، وهذه حال هؤلاء؟ حكاهما أبو عبيد في "غريبه"، وابن الأثير في … " جامعه "».
أقول: رحم الله ابن الملقن على ما نقله لهذا البيان، ولكني أقول والحسرة تملأ قلبي: كيف بالمسلمين اليوم وقد عمدوا إلى أخلاق عبدة الصليب والأوثان، فساكنوهم وقلدوهم أخلاقاً ولباساً، حتى إنَّ الواحد منهم يفتخر بتقليده هذا الماجن أو ذاك الفاسق، في وقت نُعت فيه صاحب السنة بالرجعية والتخلف، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والأدهى من ذلك والأمر أن بعض البلدان الكافرة كالسويد وكندا صارت تفتح أبوابها للمسلمين هناك، من أجل تعويدهم على أخلاق وعادات الكافرين، وللأسف الشديد نرى كثيراً ممن يدعي العلم والدين يتنافس مع الآخرين ويدفع الرشا الباهضة؛ ليذهب إلى تلك البلدان الإباحية من أجل فتات المال، ونسوا أن ما يأخذونه من برطيل زائل إنما يدفع لهم؛ لينسلخوا عن دينهم وعقائدهم، ولو أنَّ المسلم بقي في أرض الإسلام ومع إخوانه المسلمين صابراً على لأواء العيش وصعوبة الحال لكان خيراً له عند ربه وخالقه ومولاه، والرزق على الله، ولا يأتي بالخير إلا الله ولا يدفع السوء إلا الله، وصدق أحكم الحاكمين إذ قال: ﴿وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع الحساب وإنه لغفور رحيم﴾ الأنعام:١٦٥.
على أنَّ من قويت لغته، وتمكن من الدعوة إلى الله وأمن الفتنة، وغلب على ظنه أنه ينفع الآخرين في دعوته فلا بأس، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>