صفته، على اختلاف قولهم في المراد بالصفة، وذهب اخرون منهم القاضى أبو بكر الباقلانى إلى أنه لا يختص بذلك، وإلى أن المعنى في قوله:«فقد رانى» على التأويل، فقال القاضى أبو بكر المذكور كما نقله عنه الماوردى وغيره: يعنى «فقد رانى» فرؤياه حق ليست أضغاث أحلام، ولا من شبهات الشيطان بل مما له تعبير صحيح، أى وليس المعنى أنه رأى ذاته حقيقة، قال:
فقد يراه الرائى على خلاف صفته المعروفة، كمن راه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمن واحد في مكانين مختلفين، فيراه أحدهما بمنزله، وهو بالمشرق، والاخر بمنزله وهو بالمغرب، وعلى هذا التأويل مشى الغزالي أيضا، فقال: ليس معناه: فقد رأى جسمى وبدنى، قال: بل المرئىّ مثال حقيقة روحه المقدسة التى هى محمل النبوة، لا نفس روحه ولا شخصه. وذهب طائفة إلى أن الحديث على ظاهره من أن المرئى حقيقة ذاته، إذ لا مانع من ذلك، والعقل لا يحيله «١» ليحتاج إلى تأويله؛ إذ الرؤية أمر يخلقه الله تعالى في الحىّ، ولا يتوقف على مقابلة، ولا تحديق بصر، ولا كون المرئى ظاهرا، بل الشرط كونه موجودا فقط، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على بقاء جسمه الشريف، وأنه لا يبلى؛ ففى حديث أوس بن أوس عند أبى داود والنسائى، وغيرهما أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله حرّم على الأرض أجساد الأنبياء» ، وعند أبى داود من حديث أبى هريرة أنه صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما من أحد يسلم عليّ إلّا ردّ الله علىّ روحى حتّى أردّ عليه السلام» .
وقد نصر القرطبىّ مذهب القاضى الباقلانى، وشنّع على القول برؤية الذات الشريفة حقيقة بأنه يلزم عليه أمور منها: أنه لا يراه أحد على غير صفته التى مات عليها، وألايراه رائيان في ان واحد في مكانين متباعدين، مع أن ذلك واقع لا مانع منه عقلا ولا عادة، وقد أجيب من طرف القاتل عن ؤيته على غير صفته وفي مكانين مختلفين بأن ذلك من غلط الرائى، وأن كلا من الصفة