للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو بكر يقدم رَاحِلَة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَرّبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الرّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدّمَ لَهُ أَفْضَلَهُمَا، ثُمّ قَالَ ارْكَبْ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ; فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنّي لَا أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي". قَالَ فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْت وَأُمّي، قَالَ "لَا، وَلَكِنْ مَا الثّمَنُ الّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ"؟ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ "قَدْ أَخَذْتهَا بِهِ"، قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللهِ. فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا. وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ خَلْفَهُ لِيَخْدُمَهُمَا فِي الطَّرِيق.

ــ

فَقَدْ نَهَى اللهُ نَبِيّهُ عَنْ أَشْيَاءَ وَنَهَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا فَاعِلِينَ لِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ فِي حَالِ النّهْيِ لِأَنّ فِعْلَ النّهْيِ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَبِي بَكْرٍ لَا تَحْزَنْ لَوْ كَانَ الْحُزْنُ كَمَا زَعَمُوا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَا ادّعَوْا مِنْ الْغَضّ وَأَمّا مَا ذَكَرْنَاهُ نَحْنُ مِنْ حُزْنِهِ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ طَاعَةً فَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ الرّسُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ إلّا رِفْقًا بِهِ وَتَبْشِيرًا لَهُ لَا كَرَاهِيَةً لِعَمَلِ وَإِذَا نَظَرْت الْمَعَانِيَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ لَا بِعَيْنِ الشّهْوَةِ وَالتّعَصّبِ لِلْمَذَاهِبِ لَاحَتْ الْحَقَائِقُ وَاتّضَحَتْ الطّرَائِقُ وَاَللهُ الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ.

مَعِيّةُ اللهِ مَعَ رَسُولِهِ وَصَاحِبِهِ:

وَانْتَبِهْ أَيّهَا الْعَبْدُ الْمَأْمُورُ بِتَدَبّرِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنّ اللهَ مَعَنَا} [التّوْبَةُ: ٤٠] كَيْفَ كَانَ مَعَهُمَا بِالْمَعْنَى، وَبِاللّفْظِ أَمّا الْمَعْنَى فَكَانَ مَعَهُمَا بِالنّصْرِ وَالْإِرْفَادِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ وَأَمّا اللّفْظُ فَإِنّ اسْمَ اللهِ تَعَالَى كَانَ يُذْكَرُ إذَا ذُكِرَ رَسُولُهُ وَإِذَا دُعِيَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ ثُمّ كَانَ لِصَاحِبِهِ كَذَلِكَ يُقَالُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ وَفَعَلَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ فَكَانَ يَذْكُرُ مَعَهُمَا، بِالرّسَالَةِ وَبِالْخِلَافَةِ ثُمّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَلَا يَكُونُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>