يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فَيُخْبِرُهُمَا الْخَبَرَ. وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْعَى فِي رِعْيَانِ أَهْلِ مَكّةَ، فَإِذَا أَمْسَى أَرَاحَ عَلَيْهِمَا غَنَمَ أَبِي بَكْرٍ فَاحْتَلَبَا وَذَبَحَا، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ غَدَا مِنْ عِنْدِهِمَا إلَى مَكّةَ، اتّبَعَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ أَثَرَهُ بِالْغَنَمِ حَتّى يُعْفِيَ عَلَيْهِ حَتّى إذَا مَضَتْ الثّلَاثُ وَسَكَنَ عَنْهُمَا النّاسُ أَتَاهُمَا صَاحِبُهُمَا الّذِي اسْتَأْجَرَاهُ بِبَعِيرَيْهِمَا وَبَعِيرٍ لَهُ وَأَتَتْهُمَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِسُفْرَتِهِمَا، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا فَلَمّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلّقَ السّفْرَةَ فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ فَتَحِلّ نِطَاقَهَا فَتَجْعَلُهُ عِصَامًا، ثُمّ علقتها بِهِ
ــ
الْغَارِ وَقَدْ تَفَطّرَتَا دَمًا، فَاسْتَبْكَيْت، وَعَلِمْت أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَكُنْ تَعَوّدَ الْحِفَاءَ وَالْجَفْوَةَ وَأَمّا الْخَوْفُ فَقَدْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْيَقِينِ بِوَعْدِ اللهِ بِالنّصْرِ لِنَبِيّهِ. مَا يُسَكّنُ خَوْفَهُ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التَّوْبَة: من الْآيَة٤٠] قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التّفْسِيرِ يُرِيدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَأَمّا الرّسُولُ فَقَدْ كَانَتْ السّكِينَةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ {وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التَّوْبَة:٤٠] الْهَاءُ فِي أَيّدَهُ رَاجِعَةٌ عَلَى النّبِيّ وَالْجُنُودُ الْمَلَائِكَةُ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ فِي الْغَارِ فَبَشّرُوهُ بِالنّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِ فَأَيّدَهُ ذَلِكَ وَقَوّاهُ عَلَى الصّبْرِ [و] قِيلَ أَيّدَهُ بِجُنُودِ لَمْ تَرَوْهَا، يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَشَاهِدِهِ وَقَدْ قِيلَ الْهَاءُ رَاجِعَةٌ عَلَى النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا وَأَبُو بكر تبعله فَدَخَلَ فِي حُكْمِ السّكِينَةِ بِالْمَعْنَى، وَكَانَ فِي مُصْحَفِ حَفْصَةَ {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِمَا} وَقِيلَ إنّ حُزْنَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ عِنْدَمَا رَأَى بَعْضَ الْكُفّارِ يَبُولُ عِنْدَ الْغَارِ فَأَشْفَقَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُمَا، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحْزَنْ فَإِنّهُمْ لَوْ رَأَوْنَا لَمْ يَسْتَقْبِلُونَا بِفُرُوجِهِمْ عِنْدَ الْبَوْلِ وَلَا تَشَاغَلُوا بِشَيْءِ عَنْ أَخْذِنَا"، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute