للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسط يده إليه، وإذا نوول ما يكره قبض يده فخاطب العرب من حيث تعلم، وذكر أمثالًا محسوسة ليؤكد معنى ما يريده في النفس وأما يد الجارحة فمستحيلة على الله سبحانه والقبض والبسط من صفات الأجسام، واليد قد تطلق في اللغة على النعمة، وهذا المعنى المشهور في اللسان يقارب ما قلناه؛ لأن ما يفعله سبحانه من قبول توبة عباده من أحد نعمه عليهم وكذلك ما يفعله من النعم بالتائبين، وأما إثبات اليدين لله سبحانه من غير أن تكون يدي جارحة بل صفتين من الصفات قديمة أزلية فأثبتها أبو بكر القاضي ابن الطيب وغيره من أئمتنا لقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (١) فأثبت اليدين ههُنا صفتين قديمتين؛ لأن صرف اليد ههُنَا عنده إلى النعمة لا يليق بهذا الموضع؛ لأن النعمة مخلوقة، ولا يخلق مخلوق بمخلوق، وصرفها إلى القدرة يمنع منه التثنية، والقدرة واحدة بلا خلاف، وأبو المعالي مال إلى نفي ذلك وحمل القرآن على التجوز وأن المراد أن الله خلق آدم بغير واسطة بخلاف غيره من بنيه، فكنَّى عن ذلك بأنه خلقه بيديه، لأنا إذا لم يكن بيننا وبين ما يكون من الأفعال وسائط عبر عن ذلك بأن يقال: فعلته بنفسي، وتوليته بيدي، والقصد تمييز آدم بالاختصاص، وقد يجمع الشيء تفخيمًا، وإن كان واحدًا، والعرب تفعل ذلك، فهذا المعنى سلك الأئمة في هذه الآية وإن قلنا بإثبات اليد على طريقة القاضي، فلابد من تأويل الأحاديث على نحو ما قلناه، لذكر البسط فيه، وإنما يبقى النظر في معنى اليد، وإضافة هذا الأمر إليهما" (٢).

وقال عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يطوي الله سبحانه السموات يوم القيامة ثم


(١) سورة ص، آية: ٧٥.
(٢) المعلم (٣/ ١٩٠).

<<  <   >  >>