للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتأتي الطبقة الأُخرى، طبقةُ الفقراء ـ وهي الشريحة الأوسع ـ لتزيد الطين بلة، فالإقبال على الحج لم يعد خالصاً لوجه الله بالنسبة لفئاتٍ من حجاج بيت الله الحرام، وصارت له دوافعُ غيرُ مرئية ربما شجعت العديد من أبناء هذه الطائفة لتقديم الرشوة إلى شياطين الإنس المتاجرين بالحج وفريضته من منتسبين لطائفتي المتنفذين والأغنياء. وما إنْ يصلوا إلى تلك الديار حتى يتعرضوا بصورة أو بأُخرى لما يقدمه الأغنياء من صدقاتٍ وكفاراتٍ، ولما يؤدونه من أضاحٍ وذبائح.

هذا وإن كان عملهم ليس محظوراً شرعاً لكنه كسابقَيْه يخرج بالحج عن حيّز حج الخصوص الذي منه الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلّا الجنة إلى دائرةٍ أخرى أقلَّ شأناً، وأدْنى أجراً. قال الإمام الغزالي بعد أنْ ساق حديث: "إذا كان آخرُ الزمان ... "، "وفي الخبر إشارة إلى جملة أغراض الدنيا التي يتصور أن تتصل بالحج فكل ذلك مما يمنعُ فضيلة الحج ويخرجه عن حيز حج الخصوص لاسيما إذا كان متجرداً بنفس الحج بأنْ يحجَّ لغيره بأُجرة فيطلب الدنيا بعمل الآخرة وقد كره الورِعون وأرباب القلوب ذلك إلّا أن يكون قصدهُ المقام بمكة ولم يكن له ما يبلغه فلا بأس أن يأخذ ذلك على هذا القصد لا ليتوصَّلَ بالدين إلى الدنيا بل بالدنيا إلى الدين فعند ذلك ينبغي أن يكون قصدُهُ زيارة بيت الله - عز وجل - ومعاونة أخيه المسلم بإسقاط الفرض عنه وفي مثله ينزلُ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يدخل الله سبحانه بالحجة الواحدة ثلاثة الجنة: الموصي بها والمنفذ لها ومن حج بها عن أخيه" (١) ولست أقول لا تحل الأجرة أو يحرم ذلك بعد أن أسقط فرض الإسلام عن نفسه ولكنّ الأوْلى أن لا يفعل ولا يتخذ ذلك مكسبه ومتجره فإن


(١) أخرجه البيهقي من حديث جابر بسند ضعيف كذا جاء في تخريج أحاديث الإحياء.

<<  <   >  >>