للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عند بيت الله تعالى ما يحلُّ مشكلات المسلمين كلّها، ويحقق لهم الخير أجمع. ولكنْ مشكلات المسلمين لا تزال قائمة، وإنها لتزدادُ تعقداً كل يوم. وبلاؤهم ببعضهم لا يزال مستحكماً، وإنه ليستشري مع كل حين. وأعداؤهم لا يزالون يتربصون بهم الدوائر، وإنهم ليزدادون مع الأيام كثرة ولا ينقصون.

إذن ينبغي أن نتجاوز المظاهر والرسوم إلى مضموناتها التي هي مناط الحكمة، ومعين الفائدة للمسلمين كلهم أفراداً وجماعات. وإذا تأملنا في هذه المضمونات وجدنا أكثر المسلمين في غفلةٍ عنها، قد شغلوا عنها بالمظاهر والأشكال، ومن ثمَّ فإنك قلما تجد شيئاً من حِكَمِ الحج وآثاره ينعكسُ بالإصلاح على أيِّ مشكلة من مشكلات المسلمين، وما أكثرها اليوم.

إنَّ من أُوْلى الفوائد التي شرع اللهُ لها الحج، أن يتلاقى المسلمون من شتات، ويتعارفوا بعد جهالة، ثم يحققوا في ظلال بيت الله معنى قوله - عز وجل -: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا مِنْكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٩٢]، فإذا عادوا إلى بيوتهم جعلوا من أرض الله الواسعة موئلاً لوحدتهم، ودفنوا في باطنها كل حاجز أو سبب للفرقة والشقاق.

أجل، فإنَّ الله تعالى قد جعل ـ وهو الحكيم الخبير ـ من شريعة الحج إلى بيته الحرام قمة ثلاثة اجتماعات للمسلمين تتدرج في الأهمية والاتساع. أما أوّلها فاجتماعٌ على مستوى أهل الحيِّ الواحد من البلد، يتكرر في اليوم خمس مرات، وقد شرع اللهُ له صلاة الجماعة، أما ثانيها فاجتماعٌ على مستوى أهل البلدة الواحدة، يتوالى مع كل أُسبوع، وقد شرع له صلاة الجمعة، وأما ثالثها فاجتماع على مستوى العالم الإسلامي أجمع، ويتوالى في كل عام، وقد

<<  <   >  >>