لها على أصلهم، بل ليس فيها ما هو صفة لها في نفسها، بل هذه صفات نسبية باعتبار شعور الشاعر بها. ومعلوم أن القضية قد تكون حقًا، والإنسان لا يشعر بها فضلًا عن أن يظنها أو يعلمها، وكذلك قد تكون خطابية أو جلية وهي حق في نفسها، بل تكون برهانية أيضًا كما قد سلموا ذلك، وإذا كان كذلك، فالرسل صلوات الله عليهم أخبروا بالقضايا التي هي حق في نفسها لا تكون كذبًا باطلًا قط. وبينوا من الطرق العلمية التي يعرف بها صدق القضايا ما هو مشترك، فينتفع به جنس بني آدم، وهذا هو العلم النافع للناس. وأما هؤلاء المتفلسفة فلم يسلكوا هذا المسلك، بل سلكوا في القضايا الأمر النسبي فجعلوا البرهانيات ما علمه المستدل وغير ذلك لم يجعلوه برهانيًا، وإن علمه مستدل آخر. وعلى هذا فيكون من البرهانيات عند إنسان وطائفة، ماليس من البرهانيات عند آخرين. فلا يمكن أن تحد القضايا العلمية بحد جامع بل تختلف باختلاف أحوال من علمها ومن لم يعلمها- عند أهل كل صناعة من الحق والباطل ومن الصدق والكذب-. ويمتنع أن تكون منفعتها مشتركة بين الآدميين بخلاف طريقة الأنبياء، فإنهم أخبروا بالقضايا الصادقة التي تفرق بين الحق والباطل والصدق والكذب، فكل ما ناقض الصدق فهو كذب وكل ماناقض الحق فهو باطل. فلهذا جعل الله ما أنزله من الكتاب حاكمًا بين الناس فيما اختلفوا فيه. وأنزل أيضا الميزان وما يوزن به. ويعرف به الحق من الباطل. ولكل حق منه أن يوزن به بخلاف ما فعله الفلاسفة المنطقيون، فإنه لا يمكن أن يكون هاديًا للحق، ولا مفرقًا بين الحق والباطل، ولا هو ميزان يعرف بها الحق من الباطل، وأما المتكلمون فما كان في كلامهم موافقًا لما جاءت به الأنبياء، فهو منه. وما خالفه فهو من