للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو السعود: " {ألقاها إلى مريم}، أي: أوصلها إليها وحصلها فيها بنفخ جبريل عليه السلام وقيل أعلمها إياها وأخبرها بها بطريق البشارة" (١).

وفي تفسير قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النساء: ١٧١]، ثلاثة أقوال:

أحدها: لأن الله كَلَّمَه حين قال له كن، وهذا قول الحسن (٢)، وقتادة (٣).

الثاني: لأنه بشارة الله التي بشر بها، فصار بذلك كلمة الله (٤).

والثالث: لأنه يهتدى به كما يُهْتَدَى بكلام الله (٥).

قوله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١]، أي: " وهو ذو روح مبتدأةٍ من الله، أثر نفخة من الله تعالى نفخها جبريل بأمر ربه" (٦).

قال مجاهد: " رسول منه" (٧).

قال الزمخشري: " وقيل له: روح الله، وروح منه، لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذى روح، كالنطفة المنفصلة من الأب الحى وإنما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته خالصة" (٨).

قال أبو السعود: " قيل هو الذي نفخ جبريل عليه السلام في درع مريم فحملت بإذن الله تعالى سمي النفخ روحا لأنه ريح تخرج من الروح" (٩).

قال القرطبي: " قوله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ}، هذا الذي أوقع النصارى في الإضلال، فقالوا: عيسى جزء منه فجهلوا وضلوا" (١٠).

وفي تفسير قوله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١]، ثلاثة أوجه (١١):

أحدها: سُمِّي بذلك لأنه رُوح من الأرواح، وأضافه الله إلى نفسه تشريفاً له.

والثاني: أنه سُمِّي روحاً؛ لأنه يحيا به الناس كما يُحْيَون بالأرواح.

والثالث: أنه سُمِّي بذلك لنفخ جبريل عليه السلام، لأنه كان ينفخ فيه الروح بإذن الله، والنفخ يُسَمَّى في اللغة روحاً، فكان عن النفخ فسمي به.

يحكى: "أن طبيبا حاذقا نصرانيا للرشيد ناظر علي بن حسين الواقدي المروزي ذات يوم فقال له إن في كتابكم ما يدل على إن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى وتلا هذه الآية، فقرأ الواقدي: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣]، فقال: إذن يلزم أن يكون جميع تلك الأشياء جزءا من الله تعالى علوا كبيرا، فانقطع النصراني فأسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا" (١٢).

قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: ١٧١]، أي: " فَصدِّقوا بأن الله واحد وأسلموا له، وصدِّقوا رسله فيما جاؤوكم به من عند الله واعملوا به" (١٣).

قال المراغي: " أي: فآمنوا بالله إيمانا يليق به، وهو أنه واحد أحد تنزه عن صفات الحوادث، وأن كل ما فى الكون مخلوق له، وهو الخالق له، وأن الأرض فى مجموع ملكه أقل من حبة رمل بالنسبة إلى اليابس منها، ومن نقطة ماء بالنسبة إلى بحارها وأنهارها، وآمنوا برسله كلهم إيمانا يليق بشأنهم وهو أنهم عبيد له خصهم بضروب من التكريم والتعظيم، وألهمهم بضرب من العلم والهداية بالوحى ليعلموا الناس كيف يوحدون ربهم ويعبدونه ويشكرونه" (١٤).


(١) تفسير أبي السعود: ٢/ ٢٥٩.
(٢) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٤٦.
(٣) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٦٣٠٩): ص ٤/ ١١٢٣.
(٤) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٤٦.
(٥) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٤٦.
(٦) انظر: التفسير الميسر: ١٠٥، وصفوة التفاسير: ٢٩٦.
(٧) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣١١): ص ٤/ ١١٢٣.
(٨) الكشاف: ١/ ٥٩٣.
(٩) تفسير أبي السعود: ٢/ ٢٥٩.
(١٠) تفسير القرطبي: ٦/ ٢٢.
(١١) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٤٦، وتفسير البغوي: ٢/ ٣١٤.
(١٢) تفسير أبي السعود: ٢/ ٢٥٩.
(١٣) التفسير الميسر: ١٠٥.
(١٤) تفسير المراغي: ٦/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>