للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنّ المعنى: من الخلق كلهم، إذ أن حكم جميع الخلق في الثواب واحد، فيما أفعل بكم؛ من مجازاتكم على أعمالكم، وترك تضييعها لكم. يستوي في ذلك ذكرانكم وإناثكم (١).

إذ جعل لكل جزاء أعمال الكفرة في الدنيا؛ كقوله تعالى: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: ١٥]، وأما المؤمنون: في الدنيا والآخرة، وأما الكفار فإنما يعطيهم ابتداء ليس بجزاء، وقوله - عز وجل -: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} [هود: ١٥]، أي: نردها عليهم، وهم لا يبخسون أرزاقهم (٢).

والثاني: وقيل: قوله: {منكم}، إشارة إلى المؤمنين خاصة؛ أي: رجالكم بشكل نسائكم في الطاعة ونساؤكم بشكل رجالكم في الطاعة، نظيرخا قوله- عزّ وجل -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١]. وهذا قول الضحاك (٣).

والثالث: أنه: " يعني من الدين والنصرة والموالاة. وهذا معنى قول ابن عباس (٤)، والحسن (٥)، وقتادة (٦)، والكلبي (٧)، واختيار الطبري (٨).

والرابع: وقيل: كلكم من آدم وحواء (٩).

عن أبي بكر الهذلي: "قال عطاء: ما من عبد يقول: يا رب، يا رب، يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه، فذكرت ذلك للحسن فقال: أما تقرأون القرآن: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان إلى قوله: فاستجاب لهم ربهم} " (١٠).

قال الزجاج: " وإن قرئت (إني لا أضيع عمل عامل منكم). جائز بكسر (إن) ويكون المعنى قال لهم ربهم: إني لا أضيع عمل عامل منكم" (١١).

قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: ١٩٥]، " أي: الإناث من الذكور، والذكور من الإناث" (١٢).

قال ابن كثير: "أي: جميعكم في ثوابي سَواء" (١٣).

قال الصابوني: "أي: الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر، فإِذا كنتم مشتركين في الأصل فكذلك أنتم مشتركون في الأجر" (١٤).

قال الراغب: " إن قيل: ما معنى قوله: (بعضكم من بعض) في هذا الموضع؟

قيل: تنبيها أن الأنوثية والذكورية لا تقتضي اختلاف الحكم في هذا الباب، وإنما الاعتبار بالأعمال والنيات، فمن قصد فيما يتحراه وجه الله فله بقدره ثواب، ثم بين أن للذين هاجروا فضل رتبة، كما قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} [النساء: ٩٥ - ٩٦] " (١٥).

قوله تعالى: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [آل عمران: ١٩٥]، أي: "فالذين هجروا أوطانهم فارين بدينهم، وألجأهم المشركون إِلى الخروج من الديار" (١٦).


(١) انظر: التفسير البسيط: ٦/ ٢٦٤.
(٢) انظر: تفسير الماتريدي: ٢/ ٥٦٥.
(٣) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٣٥.
(٤) انظر: زاد المسير: ١/ ٢٧٥.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٤١٦)، و (٣٤١٧): ص ٢/ ٦٣٥.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٦٨٥٥): ص ٦/ ٣٢٨.
(٧) انظر: بحر العلوم: ١/ ٣٢٤، وتفسير الثعلبي: ٣/ ٢٣٥.
(٨). انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ٢١٦، النكت والعيون: ١/ ٣٨٦، وزاد المسير: ١/ ٢٧٥.
(٩) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٣٥.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٦٦٨): ص ٣/ ٨٤٤.
(١١) معاني القرآن: ١/ ٥٠٠.
(١٢) النكت والعيون: ١/ ٤٤٣.
(١٣) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٩١.
(١٤) صفوة التفاسير: ٢٣١.
(١٥) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ١٠٥٥.
(١٦) صفوة التفاسير: ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>