للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا ربنا نجِّنا من النار، فإنك -يا ألله- مَن تُدخِلْه النار بذنوبه فقد فضحته وأهنته، وما للمذنبين الظالمين لأنفسهم من أحد يدفع عنهم عقاب الله يوم القيامة.

قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: ١٩٢]، "أي: من أدخلته النار فقد أذللته وأهنته" (١).

قال مقاتل: " يعني: من خلدته في النار فقد أهنته" (٢).

قال ابن كثير: " أي: أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع" (٣).

قال ابن عطية: " استجارة واستعاذة، أي فلا تفعل بنا ذلك ولا تجعلنا ممن يعمل عملها، والخزي: الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء، خزي الرجل يخزى خزيا إذا افتضح، وخزاية إذا استحيى، الفعل واحد والمصدر مختلف" (٤).

قال الراغب: " يقال: خزي الرجل: إذا لحقه انكسار، إما من نفسه بإفراط، يقال في مصدره الخزاية، وإما من غيره، ويقال في مصدره الخزي، وعلى هذا هان وذل، متى كان ذلك من نفسه، يقال له الهون والذل، ومتى كان من غيره يقال له الهوان والذل، والآية من تمام الحكاية عن المتفكرين في خلق السموات والأرض" (٥).

وفي تفسير "الخزي" في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: ١٩٢]، على جوه:

أحدها: أنه يعني: ربنا إنك من تدخل النار من عبادك فتخلده فيها، فقد أخزيته، ولا يخزي مؤمن مصيرُه إلى الجنة، وإن عذِّب بالنار بعض العذاب. وهذا قول أنس (٦)، وابن المسيب (٧)، والحسن (٨)، وابن جريج (٩).

والثاني: أن معناه: ربنا إنك من تدخل النار، من مخلد فيها وغير مخلد فيها، فقد أخزي بالعذاب. وهذا قول جابر بن عبدالله (١٠)، وروي عن الضحاك نحو ذلك (١١).

والثالث: وقيل: ان "الخزي يحتمل الحياء، يقال: خزي يخزي، خزاية إذا استحيا.

قال ذو الرمة (١٢):

خَزَايةً أدرْكَتْه بعد جَوْلَتِه (١٣) ... من جَانب الحَبْل مخلوطا بهَا الغَضَبُ

وقال القطامي في الثور والكلاب (١٤):

حَرِجاً وَكرَّ كُرُورَ صَاحب نَجْدَةٍ ... خَزي الحَرَائِرُ أَن يكون جَبانَا

أي يستحي (١٥)، فخزي المؤمنين الحياء، وخزي الكافرين الذل والخلود في النار" (١٦).


(١) صفوة التفاسير: ٢٣١.
(٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٢١.
(٣) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٨٦.
(٤) المحرر الوجيز: ١/ ٥٥٦.
(٥) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ١٠٤٧ - ١٠٤٨.
(٦) انظر: تفسير لطبري (٨٣٥٦): ص ٧/ ٤٧٧.
(٧) انظر: تفسير لطبري (٨٣٥٧): ص ٧/ ٤٧٧.
(٨) انظر: تفسير لطبري (٨٣٥٨): ص ٧/ ٤٧٧.
(٩) انظر: تفسير لطبري (٨٣٥٩): ص ٧/ ٤٧٨.
(١٠) انظر: تفسير لطبري (٨٣٦٠): ص ٧/ ٤٧٨ - ٤٧٩.
(١١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٦٦١): ص ٣/ ٨٤٢.
(١٢) انظر: في اللسان، مادة"خزى": ص ١٤/ ٢٢٧، وتهذيب اللغة مادة"خزى": ص ٧/ ٢٠٥، وفي تاج العروس مادة"خزى": ص ٣٧/ ٥٤٤، يصف ثورا وحشيا تطارده الكلاب في جانب حبل من الرمل:
حتى إذا دومت في الأرض راجعه ... كبر ولو شاء نجى نفسه الهرب
خزاية أدركته بعد جولته ... من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب
يعني أن هذا الثور لو شاء نجا من الكلاب بالهرب، ولكنه استحيا وأنف من الهرب فكر راجعا إليها. [انظر: أضواء البيان: ٢/ ١٨٨].
(١٣) في تفسير الثعلبي: "جوليه". والصحيح ما اثبتناه، كما في اللسان، مادة"خزى": ص ١٤/ ٢٢٧، وتهذيب اللغة مادة"خزى": ص ٧/ ٢٠٥، وفي تاج العروس مادة"خزى": ص ٣٧/ ٥٤٤، "حولته".
(١٤) انظر: اللسان، مادة"خزى": ص ١٤/ ٢٢٧، وتهذيب اللغة، مادة"خزى": ص ٧/ ٢٠٥.
(١٥) أراد: خزي الرجل الحرائر، أي استحيى منهن أن يفر.
(١٦) تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>