للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمؤمن - ولو كان عربياً -؛ فهذا إبراهيم عليه السلام قال الله عز وجل عنه: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} [التوبة: ١١٤]؛ وقد حثنا الله عز وجل على التأسي بإبراهيم عليه السلام، حيث قال سبحانه وتعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة: ٤]، ولما قال نوح عليه السلام: {رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق} [هود: ٤٥] قال الله عز وجل له: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} [هود: ٤٥]؛ فكون الناس انجرفوا في هذه الدعوى الباطلة - دعوى القومية - هو داخل في هذه الآية: أنهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً.

القرآن

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)} [البقرة: ١٧٢]

التفسير:

يا أيها المؤمنون كلوا من الأطعمة المستلَذَّة الحلال التي رزقناكم، ولا تكونوا كالكفار الذين يحرمون الطيبات، ويستحِلُّون الخبائث، واشكروا لله نعمه العظيمة عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم، إن كنتم حقًا منقادين لأمره، سامعين مطيعين له، تعبدونه وحده لا شريك له.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ١٧٢]، أي: "يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقروا لله بالعبودية، وأذعنوا له بالطاعة" (١).

قال الصابوني: " خاطب المؤمنين لأنهم الذين ينتفعون بالتوجيهات الربانية" (٢).

قال ابن عثيمين: " إن وصف الإيمان للمنادى؛ وتصدير الحكم بالنداء يدل على الاهتمام به؛ لأن النداء يستلزم انتباه المنادى" (٣).

قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، أي: " كلوا من المستلذات وما طاب من الرزق الحلال الذي رزقكم الله إِياه" (٤).

قال الطبري: أي: " اطعَموا من حَلال الرزق الذي أحللناهُ لكم، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم، مما كنتم تحرِّمونَ أنتم، ولم أكن حرمته عليكم، من المطاعم والمشارب" (٥).

قال الثعلبي: أي: " من حلالات {ما رقناكم}، من الحرث والأنعام وسائر المأكولات والنعم" (٦).

أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن، في قوله: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}، أما إنه لم يذكر أحمركم وأصفركم ولكنه قال: تنتهون إلى حلاله" (٧). وروي عن مقاتل (٨) نحو ذلك.

والأمر في قوله {كُلُوا}، هو للامتنان، والإباحة (٩).


(١) تفسير الطبري: ٣/ ٣١٦.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ١٠٢.
(٣) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٤٦.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ١٠٢.
(٥) تفسير الطبري: ٣/ ٣١٧.
(٦) تفسير الثعلبي: ٢/ ٤٣.
(٧) تفسير ابن أبي حاتم (١٥١٥): ص ١/ ٢٨٢.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٨٢.
(٩) قال الرازي: " اعلم أن الأكل قد يكون واجبا، وذلك عند دفع الضرر عن النفس، وقد يكون مندوبا، وذلك أن الضيف قد يمتنع من الأكل إذا انفرد وينبسط في ذلك إذا سوعد، فهذا الأكل مندوب، وقد يكون مباحا إذا خلا عن هذه العوارض، والأصل في الشيء أن يكون خاليا عن العوارض، فلا جرم كان مسمى الأكل مباحا وإذا كان الأمر كذلك كان قوله {كلوا} في هذا الموضع لا يفيد الإيجاب والندب بل الإباحة. (تفسير الرازي: ٥/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>