الفرزدق في الركب، وضل بهم الدليل في الصحراء فعطشوا، وجعلوا يتصافنون الماء، بأن يضعوا في الإداوة حجرًا يتخذونه مقياسًا لما يشربه الشارب فلا يزيد عليه. فذكر الفرزدق أن هذا العنبري جاء بحجر ضخم كالأثفية ليكون حظه من الماء عظيمًا، ثم إنه جعل يستزيد الفرزدق فيزيده حتى أوشك أن يكون له شأن كشأن كعب بن مامة وزعم بعض الرواة أن الفرزدق ضن بنفسه ولم يعطه شيئًا من الماء، قال يهجو العنبري في ضلاله (ديوانه ٨٤٢):
ما نحن إن جارت صدور ركابنا ... بأول من غرت هداية عاصم
وكان اسم العنبري عاصمًا:
أراد طريق العنصلين فياسرت ... به العيس في نائي الصوى مُتشائم
أي أراد طريق اليمامة فأخطأه وسلك طريقًا نائي الصوى أي العلامات قاصدًا حقه الشام مع أن الرشاد والهداية قصد اليمن.
وكيف يضل العنبري ببلدة ... بها قُطعت عنه سيور التمائم
فإن أمرأ ضل البلاد التي بها ... تغبر ثديي أمه غير حازم
رأى الليل ذا غول عليه ولم تكن ... تُكلفه المعزى عظام المجاشم
ثم أخذ الفرزدق في وصف العطش وأمر المصافنة:
ونحن بذي الأرطى يقيس ظماءنا ... لنا بالحصى شربًا صحيح المقاسم
فلما تصافنا الأدواة أجهشت ... إلي غضون العنبري الجراضم
وجاء بجلمود له مثل رأسه ... ليسقى عليه الماء بين الصرائم
أي الرمال جمع صريمة.
فضاق عن الأثفية القعب إذرمى ... بها عنبري مُفطر غير صائم