كما كانت وشخصيته تعكس صورة تلك الطبقة التي خلقت مصر الحديثة واحتلت مركز الصدارة على مسرح حياتها العامة، إلى أن حلت محلها طبقة جديدة في ١٩٥٢. ولد على الأرجح في ١٨٥٧، في إحدى قرى ولاية الدلتا الغربية، من أب مزارع يشغل مركز العمدة فيها، وأم تنتمي إلى عائلة مماثلة شغلت مراكز رسمية منذ عهد محمد علي. وإذ لم يكن في الولاية مدارس حديثه في صباه، دخل مدرسة دينية قديمة، ثم جاء الأزهر في ١٨٧١. ولهذا التاريخ أهميته، ففيه أتى الأفغاني القاهرة وأقام فيها. وكان سعد زغلول، طيلة السبعينيات، من تلاميذه المقربين، كما كان أيضًا من تلاميذ محمد عبده. وفي ١٨٨٠، ألتحق بمحمد عبده كمحرر للجريدة الرسمية، ثم شغل وظائف رسمية أخرى. لكن الاحتلال البريطاني وضع حدًا لنهج حياته هذا. وليس من الواضح ما هو الدور الذي لعبه في الحركة الوطنية في ذلك الحين؛ لكن من الأكيد أنه كان يعطف عليها، حتى أنه سجن لفترة قصيرة بتهمة تأسيس «جمعية الانتقام». ثم تعاطى المحاماة لمدة عشر سنوات تقريبًا. وفي ١٨٩٢ رضيت عنه السلطات فعين قاضيًا في محكمة الاستئناف. واستمر في عمله هذا طيلة أربع عشرة سنة، كان خلالها يتعاون مع محمد عبده ولطفي السيد وقاسم أمين في ما اعتبروه أهم عمل في زمنهم: إعادة صياغة القوانين وإصلاح المؤسسات في مصر تلبية لحاجات العصر الحديث. وفي ذلك الوقت نفسه، خطا خطوته الأولى نحو الحياة السياسية، فأخذ يتردد على أول «صالون» سياسي في الشرق الأدنى الحديث هو صالون الأميرة نازلي. ثم تعلم الفرنسية، ودرس في مدرسة الحقوق الفرنسية في القاهرة، قبل أن يتزوج في ١٨٩٦ بابنة رئيس الوزراء مصطفى فهمي باشا. وقد عرفت زوجته هذه، على الرغم من انتمائها إلى الأرستقراطية التركية القديمة، كيف تنسجم مع دوره كزعيم للأمة المصرية وكيف تعيش سنوات عديدة بعد وفاته محاطة بالاحترام «كأم المصريين».