للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَصْلَحِ ... وَلَا الصَّلَاحُ وَيْحَ مَنْ لَمْ يُفْلِحِ (١)

والمُعتَزِلة يَقولون: إنه يَجِب عليه فِعْل الأَصْلح فيما إذا تَعارَض الصالِح والأَصلَح، وفِعْل الصالِح فيما إذا تَعارَض الصالِح والفاسِد.

ولكن الصحيح أنَّ في ذلك تَفصيلًا:

إن قُلْنا بالوجوب بمَعنى أنَّ عُقولنا أَوْجَبت على اللَّه تعالى ذلك فهذا باطِل؛ إذ إنَّ العُقول لا تُوجِب على اللَّه تعالى شيئًا، فهي أَدْنى وأَحقَرُ من أن تُوجِب على اللَّه تعالى شيئًا، وإن قُلْنا: إن ذلك واجِب بمُقتَضى حِكْمته، فهذا حقٌّ وصحيح، فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لا يَفعَل شيئًا إلا وهو أَصلَحُ، كما قال اللَّه تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: ٦٤] فإذا كان اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَثنَى على المُصلِحين، ونفَى أن يَكون محُبًّا للفَساد أو المُفسِدين دلَّ ذلك على أنه لا يُمكِن أن يُريد ذلك. أي: الفَساد.

وعلى هذا فنَقول: المُعتَزِلة أَخطَؤوا حيث أَوْجَبوا ذلك على اللَّه تعالى بعُقولهم؛ لأن العَقْل أَدْنى وأحقَرُ من أن يُوجِب على اللَّه تعالى شيئًا، وقد يَرَى العَقْل أن هذا الشيء واجِب وهو في الحقيقة غير واجِب؛ لأن العُقول قاصِرة؛ فقد تَرَى هذا أصلَحَ وليس هذا بأَصلَحَ، وقد أَشار اللَّه تعالى إلى ذلك في قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦].

وأمَّا أن نَقول: إنه واجِب بمُقتَضى حِكْمته فهذا حقٌّ.

الخُلاصَة: هنا نَقول: إن إثبات العِلَل فيه رَدٌّ على الجَبْرية وهمُ الجَهْمية أيضًا


(١) العقيدة السفارينية (ص: ٦٣).

<<  <   >  >>