للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ردٌّ للمال من غير أهله إلى أهله، فإننا نحن -المُسلِمين- المُستَحِقُّون حَقًّا لمِا رزَقَ اللَّه تعالى الخَلْق، والكُفَّار يَستَمْتِعون به على وَجهِ الظُّلْم؛ ولهذا يُؤاخَذون به، وقد تَقَدَّم أن الكُفَّار يُحَاسَبون على الأكل والشُّرْب واللِّباس، وذكَرْنا في ذلك دليلًا من القرآن، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: ٣٢]، فهذه فيها اللِّباس، والأَكْل {وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، و {لِلَّذِينَ آمَنُوا} هذه اللَّامُ للإِباحة والاستِحْقاق {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} للمُؤمِنين، أمَا أُولَئِك فلَيْست لهم ولَيْسَت خالِصةً لهم يوم القيامة، فهي في الدنيا حرامٌ عليهم، ويُحاسَبون عليها يوم القِيامة.

والآيةُ التي فيها الدَّليل على أن الأَكْل والشُّرْب حرامٌ على الكُفَّار هي قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} مَفهومُهُ: أن الذين لم يُؤمِنوا ولم يَعمَلوا الصالحِاتِ عليهم جُناحٌ فيما طعِموا.

إِذَنْ: بهذا يَتبيَّن وجهُ كون الغَنيمة فَيْئًا، والفَيْءُ بمَعنَى: الرجوع والردِّ؛ فلهذا يَكون المال الذي بأَيْدي الكُفَّار إذا غنِمَه المُسلِمون فقد عاد إلى أهله، كأنهم يَأخُذون المال بغير حَقٍّ، فإذا أَخَذْناه منهم عاد إلى مُستَحِقِّه.

وقوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [مِن الكُفَّار بالسَّبْي كصَفِيَّةَ وجُوَيْريةَ]، وصَفيَّةُ من سَبايا خَيبرَ، وجُوَيْريةُ من سَبايا غزوةِ بَني المُصطَلِق، وهُما من أُمَّهات المُؤمِنين.

وقوله تعالى: {مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} ظاهِرُه أن ما ملَكَتْ يَمِينه من غير ذلك لا تَحِلُّ له، ولكنه غَيرُ مُراد، بدليل أن مارِيةَ القِبْطيةَ استَحَلَّها النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ,

<<  <   >  >>