{وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}، ولم يَذكُرِ المُفضَّل عليه من أَجْل العُموم؛ لأنَّه دائِمًا يَكون الحذفُ مُفيدًا للعُموم، يَعنِي: أَحَقُّ أن تَخشاه من كل أحَد من النَّاس، ومن الجِنِّ، ومن غيرهم.
وقوله تعالى:{أَنْ تَخْشَاهُ}، يَعنِي: أن تَخافَه، ولكن الخَشْية خَوْف مع عِلْم؛ لقوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، والخَشْية أيضًا خَوْف مع قُوَّة المَخشِيِّ وعظَمَته، فالجوْف دون الخَشْية؛ لأنَّ الخَوْف يَقَعُ بدون عِلْم؛ ولأنَّ الخَوْف يَقَع من ضَعْف الخائِف، لا من قُوَّة المَخُوف؛ ولهذا كانتِ الخَشْية أَرفَعَ مَرتَبة وأَقوَى، {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا}، حاجةً، {زَوَّجْنَاكَهَا} فدخَل عليها النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بدون إِذْنٍ وأَشبَع المُسلِمين خُبْزًا ولَحْمًا].
قال تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا}؛ أي: حاجة، وهذا دليلٌ على أنَّ زيدًا -رضي اللَّه عنه- طلَّقَها عن رَغْبة، وأنها انقَضَتْ حاجته منها، ولم يُطلِّقها عن ضَغْط أو إِكْراهٍ.
وقوله تعالى:{زَوَّجْنَاكَهَا} شَرْعًا وقدَرًا، لكِنَّ المُهِمَّ: شَرْعًا؛ لأنه لو كان المُراد قدَرًا فقط لم يَكُن بينها وبين أُمَّهات المُؤمِنين فَرْق؛ لأنَّ اُمَّهات المُؤمِنين أيضًا ممَّا زَوَّجهن اللَّه تعالى قدَرًا، وكانت هي -أي: زَينبُ -رضي اللَّه عنها- تَفتَخِر على نِساء النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتَقول:"زَوَّجَكن أَهالِيكُنَّ، وزَوَّجَني اللَّه من فوقِ سَبْع سَمَواتٍ"(١)، وهذا دليل على أنه تَزويج شَرْعيٌّ، ولكنَّه قدَريٌّ أيضًا في نَفْس الوقت.
وقوله تعالى:{زَوَّجْنَاكَهَا} في هذا ضَميران مَفْعولان؛ الضَّمير الأَوَّل: الكافُ،
(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}، رقم (٧٤٢٠)، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-.