للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه زائِدة، لأن: ما إِنْ أنتُمُ: أي: ما أَنتُم.

وما الذي يُعيِّن هذه المعانِيَ؟

الجَوابُ: الذي يُعيِّن هو السِّياق، وهذا باتِّفاق العُلَماءِ رَحِمَهُ اللَّهُ، أي: أنَّ وُجود الأَلْفاظ المُشتَرَكة التي تَتَعَيَّن بالسِّياق ثَابِت في اللغة العربية.

لكنهم اختَلَفوا في مَسأَلة الحقيقة والمَجاز، فمِنْهم مَن أَثبَت ذلك، ومنهم مَن نفَى وقال: إن المَجاز كالاشتِراك في المَعنَى، والاشتِراك أنتم تَقولون به، وهذا هو القول الراجِحُ كما سبَق عِدَّة مرَّات بأن الصحيح: أنه لا مَجاز في اللُّغة العربية.

يَقول تعالى: {إِنْ يُرِيدُونَ} هذا كلام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}، يَعنِي: ما يُريدون إلَّا فِرارًا، وهذه الجُملةُ جُملةٌ حَصريَّةٌ، يَعنِي: تُفيد الحَصْر، أي: أن هؤلاء ما لهم إرادة أبدًا سِوَى الفِرار من القِتال، فالبُيوت مُحَصَّنة، ولا يُخشَى عليها أكثَرَ ممَّا يُخشَى على المدينة، وليس لهم أَيُّ عُذْرٍ إلَّا عُذْرًا واحِدًا وهو الفِرار من القِتال؛ لأنهم لا يُريدون مُواجَهة العَدوِّ، بل هم العَدوُّ كما قال اللَّه عنهم.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: بيان إِرجاف المُنافِقين بالمُؤمِنين، والإرجاف: هو أن يُذكَر للإنسان ما يَكون به الخوف والقلَق، وفي باب القِتال مُرْجِف ومُخَذِّل، والفرق بينهما أن المُرجِف من يُخوِّف، والمُخذِّل مَن يقَلِّل الرَّغْبة في الخير؛ فالمُرجِف يُرهِّبك، وأمَّا المُخذِّل فهو يُثبِّط عَزيمتك، يَقول: ما لكَ؟ وما الفائِدةُ؟ وما كذا؟ فبينهما فرق. فهؤلاء مُرْجِفون، ويَقولون: ليس هنا مَقام لكم، لأنه خطَرٌ عليكم، ولهذا قالوا: {فَارْجِعُوا}، فيُستَفاد منه أن المُنافِقين من شأنهم الإِرْجاف بالمُؤمِنين.

<<  <   >  >>