ففيه دليل على أن المُنافِق على اسمه مُنافِق، إن لم يَجِد فُرْصةً سكَت وصانَع وداهَن، وإن وجَد فُرْصةً نطَق وتَكلَّم، وهذا دأَبُهم، قال تعالى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}[البقرة: ١٤].
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الحذَرُ من المُنافِقينَ؛ لأنهم لا يَألون المُؤمِنين خَبالًا، كلَّما وجَدوا مَطعَنًا أو مَكانًا للطَّعْن هجَموا، نَسأَل اللَّه تعالى أن يُعيذَنا منهم.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن القُلوب تَنقَسِم إلى صحيحةٍ ومَريضةٍ؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}، وكذلك الأبدانُ تَنقَسِم إلى مَريضةٍ وصَحيحةٍ، وانظُرْ حال الناس اليومَ، هل هُمْ أشَدُّ على مُداواة القُلوب من مُداواة الأبدانِ أو على مُداواة الأبدان من مُداواة القُلوب؟
الجَوابُ: الأخير، إلَّا ما شاء اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فأكثَرُ الناس اليومَ حَريصون على مُداواة الأبدان التي مَآلها أن تَكون جيفةً يَأكُلها الدودُ، دون القلوب التي عليها مَدار السَّعادة في الدُّنيا والآخِرة، فتَجِد الإنسان يَمْرَض قلبُه، ورُبَّما يَصِل إلى درجة الاحتِضار، ولكنه لا يُبالي به، فإذا أُصِيب بشَوْكة في بدَنه هُرع إلى الأطبَّاء، ولو حصَل في ذلك مَشقَّةٌ وتدَب، ولكن العاقِل المُؤمِن هو الذي يَكون دائِمًا في نظَير إلى قَلْبه ومرَضه وصِحَّته وسلامته وعطَبِه، هذا هو المُؤمِن حَقًّا، ولا شكَّ أن القَلْب إذا صحَّ صحَّ البدَن، ولستُ أقولُ: صحَّ البدَن. يَعنِي: أن المُؤمِن لا يَمْرض، لكنَّ المُؤمِن لو مرِض يَرى أن في هذا المرَضِ مَنفَعةً له ومَصلَحةً، وبهذا يَكون مرَضُ بدَنه صِحَّةً لقَلْبه؛ لما يَحصُل عنده من الصَّبْر، والرِّضا باللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وانتِظار الفَرَج، وفِعْل الأسباب التي جعَلها اللَّه أسبابًا، فيَعتَمِد على اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بما جعَله سببًا.