للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦] إلى آخر السورة. (١)

وممن استنبط هذه الدلالة من الآيات: القرطبي، وغيره. (٢)

وكون الجن مكلفون كالإنس هو الصحيح وعليه عامة أهل العلم (٣)، فهم خلقوا للعبادة، يقع عليهم الأمر والنهي كالإنس، يدل له قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وهم كذلك موعودون ومُتوعَّدون، قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وقال: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} والآيات في هذا الباب كثيرة.

والجن كذلك مكلَّفون بفروع الشريعة كتكليفهم بالأصول، كما نصَّ عليه ابن تيمية، وغيره. (٤)

فإذا عُلِم تكليفهم بشرائع الأنبياءِ، عُلِم أن محسنهم في الجنة، وأن مسيئهم فى النار، وقد دلَّ على ذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمنهم: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} [الجن: ١٣]، وبهذه الآية احتج البخاري وترجم في صحيحه فقال: (باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم). (٥)


(١) ينظر: طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم (١/ ٤٢٤) ومابعدها.
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ١٦٩).
(٣) تنظر مسألة تكليف الجن في: البحر المحيط للزركشي (٢/ ١٠٧)، والمهذب في علم أصول الفقه المقارن للنملة (١/ ٣٢٤).
(٤) قال - رحمه الله -: (الجن مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين للإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أُمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنس في الحد، لكنهم مُشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعاً بين المسلمين). مجموع الفتاوى (٤/ ٢٣٣)
(٥) ينظر: فتح الباري لابن حجر (٦/ ٣٤٥)، وصحيح البخاري (٤/ ١٢٦).

<<  <   >  >>