للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا وجوب قبل مجيء الشرع.

قال الله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: ٧١].

قال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: (في الآية دليل على أنه لا وجوب قبل مجيء الشرع؛ لأن الملائكة بينوا لهم أنهم ما بقي لهم عذر، ولا على بعد مجيء الرسل عليهم الصلاة والسلام، فلو لم يكن مجيء الرسل شرطاً في استحقاق العذاب، لما بقي في هذا الكلام فائدة). (١)

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أنه لا تكليف قبل الشرع؛ حيث أن الملائكة علَّلوا توبيخهم للكفار بإتيان الرسل وتبليغ الكتب، فأجابوهم: {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}.

وقد مضى الكلام عن هذه الدلالة نفسها عند قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، وتقرير ماعليه أهل السنة في مسألة: أن الواجبات إنما تجب بالشرع لا بالعقل، ولا يجب شيء على أحد قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم. (٢)

يدلُّ له ماروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحُجوا، فقال رجل: أكُلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال: لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما أُهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم


(١) السراج المنير (٣/ ٥٥٤).
(٢) ينظر: استنباطات سورة الإسراء {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، الاستنباط رقم: (١٤١).

<<  <   >  >>