للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن ناجي: اختلف في السترة على ثلاثة أقوال: الأول أنها مستحبة، قاله: عياض، ومثله للباجي. الثاني: سنة قاله في الكافي، الثالث: واجبة وَرُدَّ. لإمام وفذ؛ يعني أن السترة تسن للإمام والفذ بصلاة، ولو نفلا أو سجود سهو أو تلاوة؛ لأن كلا صلاة. كذا يظهر. قاله الشيخ عبد الباقي. وشرعت السترة ليجتمع قلب العبد لمناجاة ربه، ولهذا شرعت الصلاة لجهة واحدة، وشرع فيها الصمت، وترك الأفعال العادية، ولذا لا تقام الصلاة في حالة الجوع وغيره من المشوشات ما لم يخش خروج الوقت تحصيلا لأدب القلب مع الرب أعاننا الله على ذلك بمنه وكرمه. قاله الشيخ إبراهيم. ولناظم مقدمة ابن رشد:

وتكره الصلاة في حال التعب … وحالة الجوع وحالة الغضب

ويمنع الجري إلى الصلاة كراهة، وإن فاتت الجماعة وفي الشارح عن ابن بشير: أن الأمر بالسترة مجمع عليه.

إن خشيا مرورا شرط في الأمر بالسترة؛ يعني أن الإمام والفذ إنما يؤمران بالسترة حيث خافا مرور شيء بين أيديهما ظنا أو شكا لا وهما، وإلا فلا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى لسترة (١) ولغيرها، فحملت صلاته لغيرها على الأمن من المرور، وهذا هو المشهور، وقيل: يؤمر بها مطلقا، واختاره اللخمي، وبه قال ابن حبيب. والحاصل أن المشهور أن الفذ والإمام لا يؤمران بالسترة عند الأمن من المرور، فمن صلى بصحراء لا يمر عليه بها شيء، أو كان بمكان مرتفع يغيب عنه رؤس المارين لا تطلب منه السترة وسواء في ذلك المسافر والحاضر. وروى ابن القاسم: من صلى على موضع مشرف فإن كان يغيب عنه رؤوس الناس وإلا استتر، والسترة أحب إلي.

وتحقيق فقه هذه المسألة أن من لا يرى رؤوس المارين، ومن لم يخش مرورا لا يؤمران بالسترة على المشهور، ويؤمران بالسترة على مقابل المشهور، وهو قول ابن حبيب الذي اختاره اللخمي؛


(١) البخاري، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ٤٩٤.