للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو مشتق من انكسار الفقار -وهو الظهر- الذي لا تبقى معه قدرة، والإنسان ضعيف خلق من ضعف قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} أي من جوهر ضعيف وهو ماء مهين والماء لا صلابة فيه ولا اشتداد فقوله من ضعف على سبيل المبالغة.

واعلم أن مذهب الجمهور -واختاره العسقلاني والسيوطي وهو الأصح- أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر؛ لأن الغني يوجر من وجوه منها الشكر ومنها الصبر على ما يعطيه من الزكاة ومنها الإنفاق على من يلزمه الإنفاق عليه وغير ذلك والفقير يوجر من وجهين أحدهما الصبر على الفقر مع الرضى والشكر، والثاني تصرفه فيما لا بد له منه من نفقة نفسه ومن تلزمه نفقته، ويدل له حديث سعد في الوصايا (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة (١)) وحديث كعب بن مالك حين استشار في الخروج عن ماله كله فقال (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك (٢)) وحديث (ذهب أهل الدثور بالأجور (٣)) وفي ءاخَرَ (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (٤)) وحديث (نعم المال الحسالح للرجل الصالح (٥)) وقيل إن الفقير الصابر أفضل وإليه ذهب جمهور الصوفية، وقيل إن الذي أعطي الكفاف أفضل لقوله تعالى {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} الآية ولقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اجعل رزق ءال محمد كفافا (٦)) وحديث (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا (٧) معناه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم إنما سأل المسكنة التي معناها يرجع إلى التواضع، وإلى استكانة القلب لله عز وجل وأن لا يكون من الجبارين لا المسكنة التي هي نوع من الفقر على أن الحديث ضعيف ومحل الخلاف فيمن يصلح حاله بالفقر والغنى بأن يقوم بوظائف الغنى من البذل والإحسان والمواساة وأداء حقوق المال إذا استغنى ويقوم بوظائف الفقر كالرضى والصبر والقناعة إذا


(١) صحيح مسلم، كتاب الوصية. رقم الحديث: ١٦٢٨ إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس. صحيح البخاري، كتاب الدعوات، رقم الحديث: ٦٣٧٣. وفي الوصايا: إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس. صحيح البخاري، رقم الحديث: ٢٧٤٢.
(٢) أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك صحيح البخاري، كتاب الوصايا، رقم الحديث: ٢٧٥٧.
(٣) ذهب أهل الدثور بالأجور. صحيح مسلم، كتاب الزكاة، رقم الحديث: ١٠٠٦.
(٤) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء صحيح مسلم، كتاب المساجد، رقم الحديث ٥٩٥.
(٥) الإتحاف، ج ٨ ص ١٤٩. نعم المال الصالح للرجل الصالح. شعب الإيمان للبيهقي، رقم الحديث: ١١٨٦.
(٦) اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا. السنن الكبرى للنسائي، رقم الحديث: ١١٨٠٩. وفي مسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا. رقم الحديث: ١٠٥٥.
(٧) اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين. سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، رقم الحديث: ٤١٢٦.