الخلاف في لزوم التعليق إنما هو فيما إذا وقع التعليق في الأجنبية، وأما إذا وقع في الزوجة نحو قوله لها إن دخلت الدار فأنت طالق فلم يقل أحد من الأئمة بعدم لزوم ذلك التعليق. أفاده الشيخ محمَّد بن الحسن. وحينئذ فمحل التعدد في الصورة الثانية حيث علم بالحنث إنما هو على القول بلزوم التعليق في الأجنبية كما هو المذهب، وأما إن قيل بعدم لزومه فلا صداق لها إلا ما نكحها به وطئها عالما أم لا؛ لأنه نكاح صحيح، وقررت قوله:"ولم يعلم" بأنّه لم يعلم بالحنث أي بدخولها للدار تبعًا لمحمد بن الحسن، وقرره عبد الباقي والشبراخيتي بأنّه لم يعلم الحكم، قال عبد الباقي: وهو حرمة الوطء، قال محمَّد بن الحسن: تبع في هذا الأجهوري وليس بصحيح، والصواب لم يعلم بالحنث كما في التتائي.
كإن أبقى كثيرا تشبيه في لزوم الطلاق المستفاد من قوله:"كقوله لأجنبية هي طالق عند خطبتها" يعني أن الرجل إذا علق الطلاق على التزويج فإن ذلك لا يخلو من أحد أمور ثلاثة: إما أن يبقي كثيرا من النساء لم يعلق فيه، أو يبقي قليلًا، أو يعم النساء. فالأول يلزم فيه التعليق بخلاف الأخيرين كما يأتي للمص، وفي حكم الأوّل ما إذا قيد بزمن يبلغه عمره غالبا، وفي حكم الأخيرين ما إذا قيد بزمن لا يبلغه عمره غالبا، والمراد بإبقاء الكثير أن يبقي كثيرا في نفسه وإن كان قليلًا بالنسبة لما لم يبقه، فمن أبقى الفسطاط أو المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم لزمه طلاق من يتزوجها من غير المدينة أو الفسطاط؛ لأنه أبقى كثيرا في نفسه كما تفيده المدونة، وإذا فسر كثيرا بأن معناه شيئًا كثيرا من نساء أو زمان اتضح قوله: أو زمان.
وبين الكثير بقوله: بذكر جنس الباء سببية متعلقة بقوله: "أبقى" كما قاله الشبراخيتي. والله سبحانه أعلم؛ يعني أن الرجل إذا قال: كل امرأة أتزوجها من الترك أو السودان فهي طالق لزمه ذلك، ويتكرر عليه الطلاق في ذلك الجنس، وإنما لزمه الطلاق لأنه أبقى كثيرا من النساء بسبب تخصيصه للتعليق بهذا الجنس الذي ذكر، فاتضح من هذا أن معنى قوله:"كإن أبقى كثيرا بذكر جنس" أبقى كثيرا لم يعلق فيه بسبب تخصيصه التعليق بجنس من الناس. والله سبحانه أعلم.
وقوله:"بذكر جنس" اعلم أن تزوجه في هذا الفرض من ذلك الجنس لا يجوز إذ لا فائدة فيه إلا أكل المال، والنكاح وسيلة للوطء والوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لم تشرع.