للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلماء من يلزم طلاق المكره وعتقه، واختار هذا بعض الأشياخ، وإليه أشار بقوله: والأحسن من القولين المضي أي مضي الطلاق والعتق حيث أجيزا بعد الإكراه، واحترز بقوله: "طائعا" عما لو أجاز ذلك مكرها فإنَّه لا يلزمه بلا إشكال، وعلى هذا القول فأحكام الطلاق والعدة من يوم الإجازة، وأما النكاح إذا أكره على عقده فأجازه بعد ذلك طائعا فلابد من فسخه، وفي قياس بعض مذهب مالك أن للمكره إمضاء ذلك النكاح إذا أمن، وكذلك لأولياء (١) المرأة المكرهة، وفي (٢) قياس بعض مذاهبهم: إنما تجوز إجازة المكره بحدثان ذلك. قاله في التوضيح. نقله بناني.

ومحله ما ملك قبله لما أنهى الكلام على الركنين الأولين من أركان الطلاق وهما: الأهل والقصد، أتبعهما بالكلام على الركن الثالث، وهو: المحل؛ يعني أن الطلاق لابد له من محلّ يقع عليه، والمحل الذي يقع عليه إنما هو العصمة المملوكة قبل الطلاق أي قبل نفوذ الطلاق لا قبل إيقاعه، بدليل قوله: وإن تعليقا يعني لا فرق في لزوم الطلاق للزوج في المرأة المملوكة عصمتها بين أن يكون ملكه للعصمة تحقيقا وبين أن يكون ملكه لها تعليقا؛ بأن يعلق الطلاق على وجود تحقق الملكية. التوضيح: أن يطلق امرأته على تقدير نكاحه لها. انتهى. وما من قوله: "ما ملك" نكرة موصوفة أو موصولة أي عصمة ملكت قبل الطلاق أو العصمة التي ملكت قبل الطلاق، والعصمة مأخوذة من الاعتصام وهو الامتناع، ومنه عصمة الأنبياء والملائكة، والعصمة لنوع من الوحش لامتناع صيده لفرط بعده عن أوطان الآدميين، ومنه المعصم لليد لأنه يمنع من الأعداء والمكائد، والمرأة ممنوعة من غير زوجها فله عصمة تذهب بالطلاق قبل الدخول وبالخلع وبالثلاث وبالوفاة، ومنع نكاحها في العدة ليس لأجل الزوج بل لحق النسب، فلذلك نقول انقطعت عصمة الزوج، وذكر المص الضمير في ملك نظرا للفظ ما، ولو راعى المعنى لقال: ملكت، ومفهوم قوله: "ما ملك قبله وإن تعليقا، أنَّه لو قال لأجنبية: أنت طالق ولم يعلق فلا شيء عليه إذا تزوجها بعد ذلك وهو كذلك.

واعلم أن التعليق على ثلاثة أقسام: إما بالقرينة والبساط أو بالنية أو باللفظ، وذكر المص الأولين وترك الثالث لوضوحه، مثاله أن يقول لأجنبية: إن نكحتك فأنت طالق، وقوله: "وإن تعليقا"


(١) في النسخ أوليا والمثبت من بناني: ج ٤ ص ٨٩ والتوضيح: ج ٤ ص ٣٥٨.
(٢) في النسخ وبعض قياس والمثبت من التوضيح: ج ٤ ص ٤٤٨ وبناني: ج ٤ ص ٨٩.