من غيره كلبن حامض، فلو تحقق أو ظن أن اللبن ونحوه لا يغيب عقله فغاب باستعماله وطلق لم يقع عليه طلاق، ولو تنازع معها في سكره حراما وغيره قبل قوله بيمينه إن لم تقم قرينة على صدقه، فإن قامت بكذبه فقولها إنه حرام، وقوله حراما، وأما لو سكر بحلال بأن لم يعلم تحريمه فكالمجنون لا يلزمه طلاق: وقوله: "حراما" صفة لصدر محذوف أي سكر سكرا حراما. انظر شرح الشيخ عبد الباقي.
وقال الشبراخيتي: لو تنازع معها وكونه سكرا حراما أو غير حرام فالظاهر أنه إن وجدت قرينة تصدق أحدهما عمل عليها، وإلا فقوله: بيمين، وقوله:"سكر" أي غاب عقله سواء غاب بمسكر أو بمرقد أو بمفسد لكنه لا يتصور ذلك مع المرقد، ثم إنه ليس من الحرام ما إذا شربه يظنه غير مسكر فتبين أنه مسكر، وأما إذا شربه مع ظن أنه مسكر أو مع الشك فيه فهو كشربه مع تحقق أنه مسكر كما يفيده كلامهم في الشرب. انتهى.
واستفيد مما مر أنه لو ظنه حلالا فتبين أنه حرام وأنه مسكر فإنه كالمجنون لا يقع عليه طلاق، وأنه لو شك أنه يغيب العقل واستعمله فغاب عقله أنه يقع عليه الطلاق كان مما يسكر جنسه أو من غيره كلبن حامض. وبالله تعالى التوفيق. قال أحمد بن عبد الله الدميري تاج الدين بهرام وهو المعروف عندهم بالشارح: وما ذكره من نفوذ طلاق السكران هو المشهور، وقيل: لا يلزم. انتهى. وعلى القول بعدم اللزوم رد المص "بلو".
وهل إلا أن لا يميز أو مطلقا تردد؟ يعني أن الشيوخ اختلفوا هل محل الخلاف المذكور حيث كان عند السكران بقية تمييزه؟ وأما إن لم يكن عنده بقية تمييز فيتفق على أنه كالمجنون لا يلزمه الطلاق اتفاقا، وهي طريقة ابن رشد والباجي أو الخلاف مطلق غير مقيد بمن عنده بقية تمييز فيكون المشهور اللزوم، سواء كان عنده بقية تمييز أم لا وهي طريق المازري، وإيضاح المص على هذا أن تقول: وهل الأمر على ما ذكر من وجود الخلاف إلا أن لا يميز فلا خلاف في عدم لزومه حينئذ، فيكون محل الخلاف حيث كان عنده بقية تمييز؛ إذ هو الذي قبل الاستثناء وهذه هي طريق ابن رشد والباجي، أو الأمر من وجود الخلاف غير مقيد بمن عنده بقية تمييز بل هو موجود فيمن عنده بقية تمييز ومن لم يكن عنده تمييز أصلا فيلزمه الطلاق على المشهور في كلا الحالين وهي طريق المازري، ولابن يونس يلزمه اتفاقا إن ميز وعلى المشهور إن لم يميز، وفي