للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: الثقلين، الثقل بالتحريك يطلق على متاع المسافر وكل شيء نفيس، قال في القاموس: ومنه الحديث: (أنا تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي (١) قال في الوصلة الزلفى: والحاصل أنه لما كان كل من القرآن والعترة الطاهرة معدنا للعلوم الدينية والأسرار والحكم النفيسة الشرعية وكنوز دقائقها واستخراج حقائقها، أطلق صلى الله عليه وسلم عليهما الثقلين، ويرشد لذلك حثه صلى الله عليه وسلم على الاقتداء والتمسك والتعلم من أهل البيت، وقيل سماهما بذلك لأن الأخذ بهما والعمل بما يتلقى منهما والمحافظة على رعايتهما والقيام بواجب حرمتهما ثقيل، قيل ومنه قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}؛ لأن أوامر الله وفرائضه ونواهيه لا تؤدى إلا بتكلف ما يثقل. واعلم أن الذي وقع الحث على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب الله عز وجل؛ إذ لا يحث صلى الله عليه وسلم على التمسك بغيرهم وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتى يردا على الحوض، واختصوا بمزيد الحث عن غيرهم من العلماء لما خصوا به من الثبات في الدين والرسوخ في اليقين لكونهم من قرابة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وفي حديث أحمد: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم ما قضى به علي رضي الله تعالى عنه فأعجبه ذلك، وقال: الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت، واعلم أن الحديث يفهم منه وجود من يكون أهلا للتمسك من أهل البيت الطاهر في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أمان أهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض، وهذا الحث شامل لمن تقدم منهم وأحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وخصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٢))، وهذا حديث صحيح لا مرية فيه، واحتج بالحديث الرافضة على أن الخلافة لعلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (٣)


(١) كبير الطبراني، رقم الحديث، ٥٠٤٣، ج ٤ ص ١٨٦.
(٢) مسند أحمد، ج ٥ ص ٤١٩، سنن الترمذي، رقم الحديث، ٣٧١٣.
(٣) صحيح مسلم، فضائل الصحابة، رقم الحديث، ٢٤٠٤.