للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا -والله أعلم- إذا كانت المشاتمة تسري في الآباء والأجداد فيلزم منها انتقاص منصب النبوءة. والله أعلم. وفي الخصائص: لا يدخل قلب أحد الإيمان حتى يحبهم لله تعالى ولقرابتهم منه صلى الله عليه وسلم، وما فيهم أحد إلا وله شفاعة يوم القيامة، وفي أثر أن آله صلى الله عليه وسلم في أعلى ذروة الجنة، وفي الحديث: (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق (١))، وأن من تمسك بهم وبالقرآن لم يضل وأنهم أمان للأمة من الاختلاف وأنهم سادات أهل الجنة، وأن الله وعد أن لا يعذبهم، وأن من أبغضهم أدخله الله تعالى النار، وأن من قاتلهم كمن قاتل مع الدجال، وأن من صنع إلى أحدهم برا كافاه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وأن الرجل يقوم لأخيه من مجلسه إلا بني هاشم لا يقومون لأحد، (وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن لا يدخل النار أحد من أهل بيته) (٢) فأعطاه ذلك، وورد أن كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا سببه ونسبه.

واعلم أنه لا يجوز لهم -يعني آل النبي صلى الله عليه وسلم- أن يحرجوا أحدا حتى يغضب فيصدر منه ما لا يحل في منصب النبوءة؛ لأن الغضب نار تتوقد وهم فيما بينهم كذلك، فلا يحل لواحد منهم شتم مثله، ويلزمه من الأدب ما يلزم غيره، ولا يعذر بكونه شريفا؛ لأن المكلفين في حق حدود الشريعة لا تباين فيما بينهم يعمهم الأمر والنهي: لو سرقت فاطمة قطعت يدها، خطاب لها وهم المراد لاستحالة وقوع السرقة منها وجوازها من غيرها. قاله في الوصلة الزلفى.

الثاني: لا ينبغي لأهل هذا البيت طلب رياسة الإمارة وملك دار الدنيا؛ لأن الحسن رضي الله تعالى عنه أوصى الحسين عند موته بذلك، فقال: إن الله لم يجمع لنا معشر أهل البيت بين الدنيا والآخرة، وهذا يخص بني فاطمة، وأما بنو العباس فقد أوتوا من ملك الدنيا ما شاء الله، وكانت عادة الله في بني فاطمة أنهم يغلبون مهما حاولوا منها شيئا، وإن وقع لهم منه فشيء تافه، ووردت عنه صلى الله عليه وسلم آثار في المهدي (٣) الذي يختم الله تعالى به خلافة أمته


(١) المستدرك على الصحيحين، ج ٢ ص ٣٤٣.
(٢) كنز العمال، رقم الحديث، ٣٤١٤٩.
(٣) المستدرك على الصحيحين، ج ٤ ص ٥٥٧. سنن الترمذي باب ما جاء في المهدي، سنن ابن ماجه، باب خروج المهدي، رقم الحديث، ٦٤٦١.