للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عدمه، فقال غير واحد: إنه يلزمه ما نوى، قال محمد بن الحسن: فيه نظر، بل إن نوى عدم التتابع لم يلزمه تتابع ولا تفريق. انتهى. ونحوه للأمير.

وعلم مما قررت أن محل قوله: "وتتابعه في مطلقة"، في النذر الملفوظ به، وَأَمَّا المنوي من غير لفظ، فهو المشار إليه بقوله: ومنويه حين دخوله، الظرف يتعلق بقوله: "ومنويه"، كما في حاشية بناني: ومعنى كلام المصنف أن الشخص إذا نوى أن يعتكف أياما وقت دخوله في معتكفه؛ أي وقت شروعه في الاعتكاف، فإنه يلزمه أن يتمها متتابعة إن نوف تتابعه، أو لا نية له كما في الخرشي، فإن نوى أن يفرقها فإنه لا يلزمه أن يتابعها، وقال الأمير: ووجب متابعة منذوره إلا مع نية التفريق، ولا يلزم التفريق إن نواه، فإنه لا ندب فيه إلا لتعيين كخمسة أول الشهر، والخمسة الأخيرة منه. فتدبر. انتهى. وقال بعد هذا: ووجب بالشروع إتمام منويه. انتهى.

وعلم مما قررت أن مجرد النية أي من غير شروع لا يوجب شيئا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تعمل به أو تتكلم (١) وقوله: "ومنويه"؛ أي ما نواه من تتابع أو عدد، والفرق بين الصوم -لا يلزم التتابع فيما إذا أبهم فيه، ولم يقيده بتتابع ولا تفريق كما مر عند قوله: "وابتداء سنة" -والاعتكاف- يلزمه تتابعه في نذره له حيث لم يقيده بتتابع ولا تفريق- هو أن العادة أن من دخل معتكفه وهو ينوي أياما أنه يأتي بها متتابعة، ولولا العادة لم يلزمه ذلك؛ لأن أقل الاعتكاف يوم ولا يجوز أقل منه، وأقل الصيام يوم ولا يلزم أقل منه. قال اللخمي.

وقال ابن محرز: الفرق بين الصيام والاعتكاف أن الصوم إنما يفعل بالنهار دون الليل، فكيفما أصابه متتابعا أو متفرقا إذا أوفى بالعدة فقد جاء بنذره، والاعتكاف يستغرق الزمانين الليل والنهار، فكانت حكمته تقتضي التتابع اعتبارا بأجل الإجارة والخدمة والديون والأيمان لما كانت تستغرق الزمانين جميعا، فوجب تتابعها، والشروع فيها عقب عقدها أشار له الخرشي، ويفهم من المصنف؛ أي من قوله: "وتتابعه في مطلقة"، أن ما نوى فيه التتابع من المنذور يجب تتابعه.


(١) البخاري، كتاب الطلاق، الحديث: ٥٢٦٩. ولفظه: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو نتكلم. الحديث: ٦٦٦٤. ومسلم، رقم الحديث: ١٢٧. ولفظه: إن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به.